العنف “الهوليوودي” واقعاً على الأرض

::عمر قصقص::

غدت الأفلام المدروسة بتقنياتها العالية، هوساً لدى تنظيم “الدولة الإسلاميّة ـ داعش”. وبشكل واضح يوظّف التنظيم المؤثرات الإعلاميّة بشكل ممتاز يعكس احترافاً عالياً وعملاً منظّماً واضح الغاية والهدف.

نجح التنظيم في حربه الإعلاميّة، بعدما أصبحت “هوليووديّة داعش” وجاذبيّة الصورة محط أنظار وسائل الإعلام والصحف العالميّة، إلى جانب الجدل الواسع الذي أثارته على مواقع التواصل الاجتماعي والمجتمعات.

ويرجع التضخيم الإعلامي الداعشي لغايات متعددة، منها استخدام التنظيم للدعاية الإلكترونيّة عبر تسجيلات الفيديو بطريقة مغايرة لسيناريو أفلام القتل والإعدامات، حيث يبث دعايات إيجابيّة مختلفة، كالتسجيل الذي يُظهر الاطفال سعداء يسبحون ويلهون في النهر مرددين “حور الجنان تنادي”.

بالإضافة الى سلسلة أفلام قصيرة لا تتعدّى الخمس دقائق، يتم فيها استخدام أسلوب الأفلام السينمائيّة، كالمونتاج السريع والإثارة، مع عرض مقاطع تتضمن عنفاً مرفقة بأناشيد دينيّة تحفيزيّة، تصل سريعاً الى الشباب من أجل تشجيعهم على الانخراط بالتنظيم والقتال في صفوفه. الى جانب أفلام مغايرة لما سبق، حيث تقدّم مشاهد مروّعة كالذبح، الصلب والرجم…في المناطق التي يسيطر عليها وربما ما زال يحتفظ بمشاهد أسوأ بكثير.

الهدف الأساسي من هذا الإعلام الهوليوودي هو قبل كل شيء بثّ الرعب في قلوب المشاهدين. رعب قوامه الأول نقل الرؤية الهوليوودية إلى أرض الواقع. ولعلّ أشهر الفيديوهات التي بثّها التنظيم، ذلك الشريط لعمليّة الذبح الجماعيّة، التي شملت 15 شخصاً زعم أنهم “عسكريون سوريون علويون”. حيث يُظهر عناصره ترتدي زيّاً عسكريّاً موحداً بكافة عتادها تقتاد أشخاصاً مطأطئي الرؤوس قبل أن يستلّوا سكاكين معدة لهم في علبة خشبية جانباً، يقودهم رجل ملثّم بزيه الأسود ثم تقوم بإركاع الضحايا وتثبيتهم أرضاً وذبحهم بشكل متزامن.

شريط سينمائي بكلّ ما للكلمة من معنى، بجميع تفاصيله، رؤية، وتنفيذ صياغة وإخراج، لم يغفل أي تفصيل صغير، فجاء على درجة عالية من الاحترافيّة. وقد تميز في الفيديو أحد العناصر بلباس أسود مغاير لباقي المسلحين ترسيخاً لفكرة القيادة الإرهابيّة شكلاً ومضموناً.
ويحرص “داعش” على الإبهار والسيطرة على الحواس كلّها، فنجدها تنتقي موسيقى تصويريّة تتخطى فيها جذورها العربيّة لتكون محاكية للغة الفنيّة الغربيّة الى جانب أناشيدها العربية المخيفة.

الهوس الداعشي، لم يقف عند حدّ نشر الفيديوهات على الشبكة العنكبوتيّة، بل تعدّاه الى الترويج الإعلاني كأي سلعة معروفة على لوحات إعلانيّة، كتلك التي ظهرت في مدينة الرقّة السوريّة. تجسّد اللوحات موقف التنظيم من التحالف الدولي وأيضاً الدول العربية الداعمة لهذا التحالف، بعبارات مختلفة ومنها “خونة الإسلام عملاء الغرب ضدّ المسلمين”، بالإضافة إلى بثّ روح التفاؤل في نفوس المقاتلين ووعدهم بالنصر، “الآن الآن جاء القتال”، “سننتصر رغم التحالف الدولي”، وذلك كله بتقنيّة إعلانيّة عالية.

وجاءت ردود الفعل على أسطورة السينما الإرهابيّة الداعشيّة متفاوتة. فمنهم من دعا الى مقاطعة بثّ هذه الأفلام والحدّ من تداولها لكي تُضعف انتشارها. وأخرى أجمعت على أنّ ما يُقدمه “داعش” أساسه السيطرة الذهنيّة الكاملة على الأشخاص، سواء بتأييد وانخراط ودعم، أو بتقديم صورة إرهابيّة مرعبة لمن يعارضهم تحت مبدأ الترغيب والترهيب.