هل حرّفت “الميادين” حلم شباب الثورة السورية؟

::عمر قصقص::

“الحلم المسروق” فيلم وثائقي للمخرجة السوريّة بيسان أبو حامد بثّته قناة “الميادين” منذ أيام قليلة. تطرق الشريط إلى موضوع الثورة السوريّة واستعرض شهادة ستة ناشطين شاركوا فيها وأصبحوا خارج بلادهم، ما بين ألمانيا وتركيا، ولبنان، وسورية. سردوا سيرهم الذاتيّة، ومن ثمّ طموحهم وأحلامهم التي ضاعت في متاهات عدّة، منها واقع البلاد اليوم وهيمنة التطرّف على على المشهد.
“اليوم وبعد ما يقارب الأربعة أعوام على بداية الحراك، تبدو النتائج لا تشبه في شيء ما طمح إليه شباب الحراك السلمي في سورية”، على هذا النهج سار الوثائقي الذي لم ينل رضى الموالين لنظام الأسد أو إعجاب معارضيه.
وبعد لحظات من انتهائه غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات، فمنهم من لاحظ أنّ الفيلم منذ بدايته هدفه تشويه صورة المحتجين من خلال حملهم للحجارة في المظاهرات وإلقائها على عناصر الأمن السوري التي لم تُظهر ردة فعلهم على الأمر.

[اقرأ أيضاً:#هولوكست_الأسد: هل ترون المجازر؟]
البعض الآخر انتقد تسليط الضوء على مشاهد الاعتقالات التي قام بها الجيش السوري الحرّ ضمن الأراضي التي خضعت له وقمعه لحريّة الرأي والتعبير، من دون أن تُظهر جانب الاعتقالات التي قام بها النظام السوري الذي قام بسجن الآلاف من الأبرياء والناشطين في عمل المجتمع المدني من دون أي مبرر.

اسم الوثائقي مستوحى من فيلم فلسطيني بعنوان “الحلم المسروق”


أبطال الوثائقي فراس الشاطر، ويامن المغربي، ومرام داوود، ووسيم حفار، ونائل حريري، ومصطفى الجندي، تعرضوا أيضاً للانتقادات اللاذعة من قبل المقرّبين والمؤمنين بالثورة السورية، ويعود ذلك لظهورهم على قناة “الميادين” “معروفة الهوا والانتماء” على حد تعبيرهم.
ومما لا شك فيه أنّ الفيلم قد نقل صورة عن المعارضة السورية، لكن هناك أيضاً “مقصّ القناة الذي كان جاهزاً لاجتزاء واقتطاع المشاهد وإعادة تركيبها بما يتلاءم مع سياستها دون تخطي النهج الإعلاميّ لها”، هذا ما أوضحه الناشط فراس الشاطر لـ “العربي الجديد”: “الذي عرضته القناة ليس عبارة عن فيلم وثائقي ولا تقريراً بل ريبورتاجاً تافهاً استغل طموح ستة شبان لإيصال آرائهم وتطلعاتهم وتجاربهم ولم تنفّذ الشرط المتفق عليه، وهو أن تعرض المشاهد الخاصة بنا قبل عرضها على الهواء علماً بأنّنا قد صوّرناها منذ عام”.
مضيفاً “إذا كان عنوانه نفسه قد سُرق من فيلم فلسطيني اسمه “الحلم المسروق”، فما بالك عن مجرياته، هم حاولوا تحريف واجتزاء الكثير من أقاويلنا في المقابلات كي نظهر ونحن ضدّ الثورة السوريّة”.
كما شرح الشاطر أنّ: “القناة والمخرجة قد استغلتا تصريحاتي فعندما قلت إنّ النظام هو من استفز الشعب السوري للوقوع في الخطأ فظهرت وكأنّي أقول إنّ الثوّار هم من أخطأوا، وفي الحقيقة أنّني قلت إنّ النظام السوري هو السبب الرئيسي للتطرف وتحويل المعتقلين الى قتلة ومتطرفين وليست الثورة السوريّة”.

[اقرأ أيضاً: دوما تُبَاد: صوت المدينة المحترقة]
وأكّد أنّ: “النقطة الإيجابيّة لقناة الميادين أنها قد أثبتت عدم صدق أخبارها من خلال هذا الفيلم الوثائقي، فسبق وأن نشرت القناة تقريراً يُظهر أنّ المظاهرات في سورية ليست إلا مجسمات قطريّة مفبركة في حين عرض الفيلم مظاهرات سلميّة تمّ قمعها وسيل دماء أبنائها إلى أن تشرّدوا وباتوا بلا مأوى وهاجروا وطنهم”.

وعن الفيديو الذي نشره الشاطر على صفحته مظهراً مدى إقدام القناة على تحريف أقواله، حيث صرّح “للأسف الشديد أنا الوحيد من بين الستة المعارضين قمت بتسجيل شريط خاص بكاميرتي وهو دليل ساعدني لنشر الحقيقة، وإظهار كيف حرّفت القناة تصريحاتي وتصريحات الآخرين من المشاركين في الفيلم”.
وختم الشاطر حديثه لـ “العربي الجديد” بالقول: “الثورة لم ولن تسرق حلم الثورة حتى ينتهي الكيان السوري الحالي، فها هي درعا وكفرنبل ودوما مازالت المظاهرات تخرج منها إلى يومنا هذا”.
أما الناشط مصطفى الجندي أحد المشاركين، فقد أكّد لـ “العربي الجديد” أنّ ظهوره في هذا الوثائقي على قناة “الميادين” كان خطأ كبيراً: “أعتذر من الثورة ومن الناس لظهوري في هذه قناة، لكنّ أقوالي كلّها قد حُرّفت فعندما قلت الحراك الثوري قاموا بمحو كلمة الثوري، وأبقوا على الحراك، وكلامي عن النظام السوري كله وعن المقاتلين الإيرانيين والروس والأوكرانيين كما تكلّمت عن القذائف الحرارية التي سقطت على باب عمرو إلى جانب الجثث التي انتشلتها، كلّه حُذف ولم يبقَ إلاّ الكلام عن التطرّف أو بعض الأخطاء التي قامت بها المعارضة السوريّة”.
مضيفاً “هم اجتزأوا كلامنا ليظهر بشكل سلبي فقط، وهذا ينافي الأخلاق المهنيّة، فنحن أردنا أن نظهر أنّ هناك أشخاصاً يؤمنون بالثورة وحلمهم ما زال ينبض وأنّنا سنستمر في الحلم ولن ينجح أحد في تشويهه، إلا أنّنا في هذا الوثائقي قد خُدعنا”.
وختم مصطفى بالقول “الفيلم كان مستفزاً وسنقوم بردّ توضيحي وقوي ومباشر”.
ورداً على الضجّة والانتقادات التي تعرض لها الوثائقي، أكّدت المخرجة بيسان أبو حامد للـ”العربي الجديد” أنّه “قلما اجتمع موقف موالين ومعارضين حول مادة إعلامية، كما اجتمعوا في عدم رضاهم عن الفيلم…الأمر الذي يعتبر نقطة لصالح الفيلم، أنه لم يحابِ طرفاً على حساب طرف”.
مضيفةً “لم أتطرق لموقف النظام منهم، لأن ذلك ليس محور فيلمي، لكني أيضاً لم أحاول أن أظهر الضيوف مجاملين للنظام، رغم أنه هناك الكثير من الجمل التي قالها الضيوف يمكن توظيفها لذلك الهدف، وذلك سبب هجوم الطرفين على الفيلم، فهؤلاء لم يعتادوا أن يظهر معارضون على شاشة للمقاومة إلا بصورة النادمين، وأولئك لم يرضهم أن يواجهوا حقيقة ما آلت إليه ثورتهم، الاقتطاع أمر بديهي”.
أمّا عن الاستفزاز الذي أثاره الوثائقي، علّقت “أنا لا أريد أن أستفز أحداً بل يجب أن يعلم الناس عن شباب الحراك السلمي المفعمين بحلم التغيير، مَن هم؟ وكيف انتهوا خلف شاشات الكمبيوترات، فبعد أن بدأوا من ساحات التظاهر، واستمروا بلوم النظام وحده عمّا آلت إليه أمورهم اليوم، فهم فرّوا تاركين ثورتهم بيد المتطرفين”.

وعن الاجتزاء قالت: “لدي مواد بصرية/Rushes مقابلات ما لا يقل عن 7 ساعات، فمن الطبيعي جداً أن اقتطع نقاشات بكاملها لا توظيف لها في سياق الفيلم، لكني لم اقتطع جملة واحدة بحيث يُحوّر معناها، وضيوف الفيلم يدركون ذلك جيداً”.
وختمت المخرجة بيسان أبو حامد للـ”العربي الجديد” بالقول: “لن أقف هنا، حلمهم المسروق لم يكن بالنسبة لي خبطة صحافية أحقق من ورائها شهرة آنية، ولدي من الجرأة والتحدي ما يكفي لأطرح مزيداً من المواضيع الإشكالية، أيّاً تكن الانتقادات وأياً تكن الجهات المنتقدة”.