الولايات المتحدة: متاجر البقالة العربية تنافس الأميركية

::عمر قصقص::

تنتشر في الولايات المتحدة سلاسل من المتاجر الكبرى المتخصصة في بيع المواد الغذائية، سواء بالتجزئة أو بالجملة. الأمر الذي يجعل التفكير في فتح سوبرماركت على هذا المستوى، ودخول المنافسة مع المتاجر العملاقة تحدياً كبيراً. ولكن المسألة بالنسبة لمحمد قصقص، لم تتعد سوى تجربة أراد أن يخوض غمارها، وفكرة راودته منذ سنوات.
“طوال السنوات الثلاثين التي قضيتها في أميركا وأنا منغمس في مجال أعمال النفط ومحطات الوقود. ولكنني كنت دائما أحلم بفتح متجر بقالة كبير، وعلى مستوى، لخدمة الجالية العربية هنا. أردت أن يكون هذا السوبرماركت الأكبر والأفضل على الإطلاق.
وخصوصاً أنني لاحظت كيف أن لكل جماعة عرقية بأميركا محالها، الكوريون، والفيتناميون، والصينيون، والمكسيكيون”، يقول محمد قصقص لـ “العربي الجديد”.
رؤية قصقص، لهذا المتجر الكبير الذي أراده على غرار “Whole Foods”، و”Trader Joe’s”، وغيرها من محلات السوبرماركت الكبرى، تحولت إلى واقع بمساعدة زوجته وأبنائه. وقد استطاع اليوم ومن خلال متجره “Fresh Choice” أن يرسم خطاً جديداً لمحلات البقالة العربية في المنطقة، ويدخل المنافسة مع المتاجر الأميركية من أوسع أبوابها.
يتربع سوبرماركت قصقص على مساحة 40 ألف قدم مربع، ويشغّل نحو 120 موظفا من مختلف الجنسيات، ويقصده يوميا آلاف الزبائن. ما يجعله واحدا من أهم المحركات الاقتصادية لمدينة “أناهيم”، خامس أكبر مدن جنوب ولاية كاليفورنيا.
ويقول قصقص: “عندما فتحت هذا السوبرماركت، أغلق عدد من متاجر البقالة الأميركية من حولنا. أسعارنا منافسة جدا، وسلعنا مطلوبة. البعض يعتقد أننا جزء من سلسلة متاجر أوروبية. وها نحن اليوم، نخطط لفتح نحو 10 متاجر في كاليفورنيا، والتوسع ربما إلى خارج الولايات المتحدة”.

تنتشر في الولايات المتحدة سلاسل من المتاجر الكبرى المتخصصة في بيع المواد الغذائية، سواء بالتجزئة أو بالجملة


ولا يقتصر هذا المشروع على العرب وحدهم، بل كافة المجتمعات الأخرى. إذ يلاحظ المتسوق في “Fresh Choice” اختلاف جنسيات زبائنه، فمنهم الأميركيون، والآسيويون، واللاتينيون، والأفارقة وغيرهم. حتى إن السلع والمنتجات العربية واللحوم الحلال قد باتت معروفة لدى غير العرب والمسلمين.
ويوضح، إبراهيم عودة من إدارة السوبرماركت، لـ “العربي الجديد” سر نجاح المشروع، قائلاً: “متاجر البقالة الأميركية لا تحمل البضائع الموجودة لدينا. معظم السلع لدينا تأتي من الدول العربية. نستورد ما هو مميز ومطلوب من كل بلد عربي، مثلا لدينا ثلاثة أنواع من التمر من المدينة المنورة. الشراب الأول عند السعوديين “فيمتو” نستورده خصيصا من السعودية. القمردين من سورية، البن والكشك من الأردن، الزيت والزعتر والفريكة من فلسطين، التين من تركيا”.
ويضيف عودة، أن زبائن المحل العرب هم من مختلف الجاليات، السعودية، والسورية واللبنانية والفلسطينية واليمنية، وأن المتسوق العربي يفضل أن يتسوق هنا “لأنه يجد كل ما يريد تحت سقف واحد”.

وإلى جانب الخضار والفواكه الطازجة، يوفر السوبرماركت اللحوم الحلال، والتي يقبل عليها المسلمون بكثرة، لعدم توفرها لدى المتاجر الأميركية. وعن ذلك يقول عودة: “اللحوم هنا حلال مائة في المائة. نحضرها من شركات في تكساس وكاليفورنيا تتعامل مع المزارع المتخصصة بالذبح الحلال، ولديها رخص بذلك، وعليها رقابة قوية”.
قسم اللحوم يشهد إقبالا كبيرا وخصوصا في شهر رمضان، وهو ما تدركه إدارة المكان جيدا، إذ توفر لزبائنها عروضا خاصة وتخفيضات على المنتجات المطلوبة في الشهر الفضيل.
“الحركة جيدة خلال الشهر. التمور مطلوبة بالمقام الأول ومن ثم العصائر واللحوم والحلويات. نوفر لزبائننا المشروبات الرمضانية مثل الجلاب، الفيمتو، التمر الهندي، القمردين، كذلك الحلويات الرمضانية من عجوة المعمول، إلى الكنافة والقطايف والبقلاوة”. يضيف إبراهيم.
ويرى عمر، أحد المتسوقين أن المكان عبارة عن مزيج من السوبرماركت الأميركي والعالمي والإيراني. ويضيف قائلا: “أجد هنا تنوعا في السلع من الصعب إيجاده في أي مكان آخر، مثل المنتجات الحلال، لا أقصد بذلك اللحوم فقط، بل أيضا أشياء أخرى مثل حلوى المارشميلو، والجلو، والـ Gummy Bear التي يحبها أطفالي”.

بدأ العرب المقيمون في الولايات المتحدة الدخول في استثمارات تغطي حاجة الجالية العربية هناك،


محمد قصقص، الذي هاجرت عائلته إلى كاليفورنيا من بلدة “بتّير” قرب القدس، استوحى ديكورات أجزاء من سوقه من المدينة المقدسة، إذ رصفت أرضية المساحة المخصصة لقاعة الطعام بالحصى وكأنها شارع من شوارع البلدة القديمة، لتؤدي في نهايتها إلى لوحة لسوق من أسواق القدس.
وما إن يدخل المتسوق لهذا السوبرماركت حتى تتسلل إلى أنفه رائحة الخبز العربي الشهية، والتي تنبعث من الفرن الموجود قرب المدخل. “مخبز القدس” هو الاسم الذي يحمله الفرن حيث يصنع كعك القدس الشهير “الكعك بسمسم”، إلى جانب الخبز العربي. قصقص الذي أدرك أن محله لن يكتمل من دون مخبز مميز كهذا، قد وظف خبازا مقدسيا لإتقان الصنعة على أصولها.
وتقول أم مروان، إحدى المتسوقات، لـ “العربي الجديد”: “في كل مرة أدخل السوق، لا بد لي من أن أعرج على المخبز، للحصول على الخبز العربي الطازج. لا يوجد مثل هذا الخبز في أي مكان آخر. حتى الخبز العربي الموجود في الأسواق ليس كهذا. فهو طري ومذاقه الأفضل”.
بعد نجاح مشروعه في أميركا، يأمل محمد قصقص بنقل الأفكار التي اكتسبها في الغربة إلى وطنه فلسطين، حيث يحلم بفتح مشروع مماثل، ولكنه لا يخفي قلقه حيال عدم استقرار الأوضاع هناك، بالإضافة إلى القيود المفروضة على التجارة والتنقل.
ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد العرب المقيمين في الولايات المتحدة، لكن هناك تقديرات بأن 80% منهم حاصلون على الجنسية الأميركية، وأن 62% منهم ينحدرون من بلاد الشام (سورية، لبنان، فلسطين والأردن)، فيما يشكل العرب المنحدرون من أصل مصري نحو 11% من إجمالي العرب المقيمين بالولايات المتحدة.