الإعلام اللبناني تحت التهديد لوقف تغطية الانتفاضة: هل يرضخ؟

عند انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة اللبنانيّة يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، وتزامناً مع إغلاق الطرق الرئيسيّة في البلاد، قطع الإعلام اللبناني برمجيّته المعتادة وفتح الهواء كي ينقل التظاهرات وأصوات المتظاهرين لأكثر من 18 ساعة يومياً، أو على الأقل أغلبه، في ظلّ غياب “تلفزيون لبنان” الحكومي وانخراط قنوات أخرى ببروباغندا تدافع عن الأحزاب الطائفيّة في وجه المواطنين.
رغم ذلك، كانت الصورة العامة جميلة. ألغت كلّ من “الجديد” و”إل بي سي” و”إم تي في” كل برامجها، رغم انطلاق الموسم وفتحت الهواء لساحات الاحتجاجات من السابعة صباحاً حتى ما بعد منتصف الليل. وفي ظلّ تحويل بعض المراسلين للمقابلات مع المواطنين من أسئلة صحافية إلى ما يشبه الاستجواب داخل مراكز الأجهزة الأمنية، وتصنيف المتظاهرين والدفاع عن السلطة، إلا أنّ القرار على تلك الشاشات الأكثر تأثيراً ومشاهدةً في لبنان كان موحّداً: لا نستقبل السياسيين لأنّ الهواء للناس فقط.

إلا أنّ هذا القرار قد يتبدّل في الأيام المقبلة إثر ضغط السلطة على رؤساء مجالس الإدارات في القنوات لتخفيض ساعات البث للتظاهرات وإعادة برامجهم. ويتم تداول أخبار مفادها أنّ “رئيس الجمهورية، ميشال عون، طلب من القنوات تقليص تغطيتها للاحتجاجات تحت ضغوطات، بينها فتح ملفات ضد هذه القنوات”.

في حديث مع “العربي الجديد”، أكد رئيس مجلس إدارة LBCI، بيار الضاهر، أنّ رئيس الجمهورية اتصل به، وأنّه قد زاره في قصر بعبدا لكنّه قال إنّ الحديث لم يتطرق إلى إيقاف البث أو تقليصه وكان هناك حديث آخر دار بينهما، مشيراً إلى أنّ القناة مستمرة بتغطية المظاهرات. كما أكد رئيس مجلس إدارة MTV، ميشال المر، أنّ رئيس الجمهورية اتصل به لكنه لم يتدخل بسياسات وخيارات المحطة. فيما قال مصدر من داخل قناة “الجديد” إنّ رئيس الجمهورية اتصل أيضاً برئيس مجلس إدارة القناة، تحسين خياط.

إلا أنّ ما قاله رؤساء إدارات المحطات عن اتصال رئيس الجمهورية بهم في العلن لم يكن ذاته في أروقة محطاتهم. فقد أكد مصدر من داخل MTV لـ”العربي الجديد”، أن نقاشاً حاداً حصل يوم الثلاثاء بين موظفي إدارة التحرير والمدراء بعد مناقشة طلب رئيس الجمهورية بإيقاف بث الاحتجاجات “التي تحمس الناس للنزول إلى الشارع والوقوف بوجه السلطة”، مضيفاً “بعض المدراء كانوا متحمسين لفكرة تخفيف البث تمهيداً لإيقافه نهائياً والإقلاع بالبرامج، إلا أنهم اصطدموا برأي آخر وهو الاستمرار بتغطية المظاهرات لأن قرار الإيقاف يؤثر سلباً على مصداقية المحطة ومستقبلها، سائلين عن تطبيق الشعار “MTV إلك”.

وقال مصدر آخر إنّه تم تهديد رؤساء مجالس الإدارات، بطريقة غير مباشرة، بفتح ملفات قديمة لهم قد تجبرهم على دفع غرامات مالية كبيرة جداً إن لم يُسلّطوا الضوء على ورقة رئيس الحكومة سعد الحريري “الإصلاحية”، وعلى اجتماعات و”إنجازات السلطة” إلى جانب تقليص ساعات البث تمهيداً لإيقافها.

على غرار MTV، حصلت اجتماعات منذ صباح الثلاثاء في قناة LBCI بين مدراء الإنتاج والتحرير لمناقشة “التمني” أو التهديد غير المباشر. وقد تباينت الآراء، خصوصاً أنّ هناك حزبيين داخل القناة يؤيّدون عون، ويدعون إلى “عدن انجرار المؤسسات الإعلامية للغة الشارع”، إلا أن الضاهر قرّر الاستمرار بتغطية المظاهرات في حال استمرت القنوات المنافسة بالتغطية، وذلك للحفاظ على نسبة المشاهدة، حسبما قال مصدر قريب من القناة. أما قناة “الجديد”، فقد رفضت طلب عون بتقليص البث لأنّ ذلك يؤثر على مصداقيتها أمام الجمهور، إلا أنها قد تتّجه لفتح الهواء لبعض السياسيين لتلميع صورتهم وصورة العهد والإضاءة على ورقة الحريري، وفقاً لما قاله مصدر من داخل القناة.

هذا كلّه اليوم. لكن بالعودة سنوات قليلة إلى الوراء، ساهم الإعلام بإظهار شعار “العهد القوي” والترويج له. فعندما انتخب عون رئيساً للجمهورية حصل أصحاب المؤسسات الإعلامية على قروض بملايين الدولارات مع إمكانية السداد لـ15 عاماً بفوائد بقيمة 1 في المئة فقط، مع فترات سماح تصل إلى 3 سنوات، في مقابل التهليل لـ”العهد القوي”، وهذا ما حصل. فهل أتى يوم السداد؟