::عمر قصقص::
كان لانخراط المجتمع اللبناني في عالم التكنولوجيا، وازدياد معدل استخدام البطاقات الائتمانيّة ومواقع التواصل والهواتف الذكيّة، أن يحوّل كل هذه القطاعات إلى أرض خصبة لما يُسمّى “القرصنة الإلكترونيّة”. قرصنة تتنوع دوافعها وأهدافها. منها ما هو شخصيّ، وسياسيّ، وماليّ، أو الابتزاز والجرائم الإلكترونيّة. حيث تتعرض المواقع يومياً إلى عدد كبير من هجمات القرصنة، فمنها ما يُحقق نجاحاً ومنها يفشل.
وفي الأشهر الأخيرة، ومع “ازدهار” القرصنة في العالم العربي، بات اختراق مواقع حسابات أمراً منتشراً في لبنان، حتى أن بعض البرامج التلفزيونية استقبلت مباشرة على الهواء أناساً يقومون أمام الكاميرا بعمليات قرصنة لحسابات مصرفية، ولمواقع فنادق شهيرة، وشركات طيران…
وقد نجح القراصنة في الآونة الأخيرة في اختراق عدد من المواقع الإلكترونيّة اللبنانيّة، كالصفحة الرسميّة لقناة الـ”ام تي في” على “تويتر” واستبدالها بشعارات وصور سياسية. إلى جانب اختراق الموقع الرسميّ لكلّ من قناة “المستقبل” و”الوكالة الوطنيّة للإعلام”، وموقع النائب نقولا فتوش فضلاً عن اختراق مواقع الشركات الخاصة بهدف السيطرة على الحسابات المصرفيّة وتحويلها لحساب المقرصِن.
هذا الأمر فتح المجال لطرح العديد من الأسئلة: من يعاقب المقرصنين في لبنان؟ هل هناك قوانين وعقوبات تطال المقرصنين؟ هل هم تحت مجهر السلطة؟
أوضحت رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة وحماية الملكيّة الفكريّة اللبناني، الرائد سوزان الحاج في لقاءٍ مع “العربي الجديد”: “ظاهرة القرصنة تنتشر بشكل واسع ليس فقط في لبنان بل على الصعيد العالمي أيضاً، وهناك عدّة أشكال لهذه القرصنة، كقرصنة المواقع كما حصل أخيراً مع الوكالة الوطنية للإعلام والمواقع الحكوميّة، أو التابعة للشركات الخاصة بهدف الحصول على المال، أو عبر الرسائل المشبوهة التي أرسِلت الى العديد من المواطنين تحت عنوان “لقيت صورتك الخاصة هون”. وذلك بهدف التحكم بهواتف المواطنين والتجسس عليهم دون علمهم، فقمنا بالمعالجة الفوريّة وحظر الرابط عن طريق أوجيرو، لأنّ هذه القضيّة تهدد الأمن القوميّ”.
كذلك تتضمّن القرصنة اختراق العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف سرقة صور المستخدمين الإناث واستعمالها لاستمالة الذكور وتسهيل الخدمات الجنسيّة عن طريق الانترنت لقاء مبالغ ماليّة، أو عينيّة. وتضيف الحاج: “عندها تكون القرصنة بدافع التشهير وانتحال الصفة وترويج الدعارة، وهذه من أخطر الأمور التي يواجهها المكتب لأنّها في بعض الأحيان قد تدفع الى انتحار بعض المستخدمات اللواتي تعرضن للقرصنة”.
وتُشير الحاج، بخصوص الأسلوب المتّبع للمقرصنين، إلى أن “القراصنة يرسلون فيديوهات بهدف تجميع بعضهم البعض لأنّهم جماعة غير منظّمة، فيقومون بالتفاعل فيما بينهم ونشر الفيديوهات ومن ثم تبدأ عمليّة الاختراق”.
أمّا عن دور المكتب في التتبع والرصد والملاحقة، فقد أكّدت أنّ “هناك إنجازات كثيرة للمكتب، وآخرها كان بصد الهجمات التي قام بها هؤلاء عندما حاولوا الولوج الى مواقع الدولة كافة، فتمكنّا من التصدّي وإفشال تلك المحاولة باستثناء موقعين لوزارتين، ومن ثمّ قمنا بتحذير مؤسسات الدولة وزودناها بالإجراءات اللازمة في حال تكرار الاختراق لاحقاً”.
وتابعت الرائد سوزان الحاج لـ”العربي الجديد”، “كما تمكنّا من رصد العديد من الأشخاص المشتبه في تورّطهم بتلك العمليات فوضعناهم تحت المراقبة”.
وتؤكّد الحاج أنّ “بين التعدي على الخصوصيّة ورصد المقرصنين خطوة واحدة، فنحن نُراقب الصفحة الشخصيّة المحددّة فلا نتعدى على حريّة أحد بل فقط الأمور التي تمس أمن الدولة أو تكون ضمن نطاق عملنا، وعندها لن يكون لنا دور نقوم به”.
وتُضيف “هذا الموضوع طُرح على جميع دول العالم فجاءت الردود أنّ هذه الأجهزة لا يمكنها أن تحمي المواطنين من أيّ مقرصن، وهي فاقدة لحواسها وليس بحوزتها أيّ بيانات تُذكر، وليس بمقدورها الدخول إلى أيّ صفحات شخصية فكيف لنا أن نكشف هويّة الأشخاص؟ وحرصاً منا على حماية الخصوصيّة، عُقد بروتوكول يقضي بأن ننال موافقة من قاضي التحقيق للاطلاع على الرسائل الخاصة لأيّ كان ومن ثم نلجأ إلى إتلاف البيانات بعد معالجة الملف”.
أمّا عن الأجهزة المتطورة لرصد المقرصنين، فقد أكّدت الحاج لـ”العربي الجديد” أنّ المكتب يرفع بشكل دوري تقريراً بكل ما ينقصه إلى الأجهزة المختصة. وأشارت إلى أنّ “من المستحيل لأي جهاز دولة في العالم أن يسبق المقرصن تكنولجيّاً، فهو لديه القدرة والذكاء الكافي ليكون دائماً الأسبق”. وتضيف أن “هناك آلاف الوسائل المجانيّة المتواجدة في العالم لمساعدة القرصان لتوظيفها حيثما يريد، كالبطاقات الائتمانية التي دخلت الى لبنان بشكل طبيعي إلّا أنّ الهدف من استخدامها اليوم يختلف من شخص إلى آخر”.
تتابع الحاج حديثها عن قانون المعاقبة، “إنّ القضاء يستند إلى نصّ العقوبات وأصول المحاكمات الجزائيّة للحكم على المقرصنين، في ظل غياب قانون خاص بجرائم المعلوماتيّة في لبنان، وهذا دليل على أنّ القوانين أصبحت بالية وعلى الدولة تحديثها بشكل سريع وسنّ قوانين جديدة”.
وأشارت إلى أنّ “المقرصنين الموجودين خارج الحدود اللبنانيّة لا يُمكننا ملاحقتهم، ويعود ذلك إلى ضعف التعاون بين بعض الدول، وعدم توقيع لبنان على معاهدات خاصة بجرائم الإنترنت كمعاهدة بودابست وغيرها”.
أمّا الخبير الدولي في قطاع الاتصالات والاقتصاد غسان حاصباني أكّد ل لـ”العربي الجديد”، أنّ “قرصنة الاتصالات موجودة ولكن ليست على مستوى واسع، إلا أنها إلى ازدياد. لكنّ الخوف هو من عدم وجود قانون يحمي من المقرصنين الايجابيين – الذين يضعون أهداف “إيجابيّة” لاختراقهم أي عندما تكون أهدافهم سلمية وذات رسالة هادفة كالدّفاع عن البيئة مثلاً، فلا يُمكن محاكمته أو رفع دعوى قضائية بحقه”. ويُشير إلى أنّ الدولة تعدّ “مشروع قانون جديداً لمحاكمة المقرصنين”.
وأضاف أنّ “العبء الأكبر في لبنان يقع على كاهل الأشخاص والشركات لتحصين أنفسهم تقنيّاً، كحماية شبكاتهم وصفحاتهم، ويجب أن يكون لديهم الإدراك الواسع لعمل المقرصنين وما يترتب عليه من نتائج ضخمة”. وختم قوله: “كما يشهد العالم اليوم صراعاً دمويّاً ومعارك متجددة، فهناك أيضاً غزو من نوع خاص وهو ما يُسمى بالحروب الإلكترونية”.
يذكر أنّ الأسبوع الماضي أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بياناً نبّهت فيه من وجود “فايروس” بدأ ينتشر بشكل كبير على الهواتف الذكية التي تعمل بنظام “أندرويد” في لبنان ودول العالم، وقد سجّلت في لبنان ما يقارب الـسبعة آلاف حالة وما يفوق عن الخمسين ألف حالة في العالم، بحيث يتمثّل هذا “الفايروس” بإرسال رسالة نصيّة قصيرة “SMS” تتضمّن الجملة التالية: “لقيت صورك الخاصة هون”. وعند الدخول إلى الرابط، يتمكّن الفايروس من السيطرة على الهاتف والتحكم بكل محتوياته.