::عمر قصقص::
لم يؤدِ غياب الشركات العالميّة الكبرى للتسويق عبر الإنترنت، مثل “أمازون” أو “إيباي” في لبنان، الى الحد من ازدهار التجارة الإلكترونيّة، حيث يقوم آلاف الأشخاص بشراء البضائع عبر الإنترنت. وقد ازدهرت هذه التجارة كثيراً في السنوات القليلة الأخيرة مع انتشار مواقع محلية عدة تشجّع على الشراء والبيع عبر الإنترنت، أو من خلال صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يخلُ هذا الازدهار من وقوع العديد من التجار والشركات فريسة لمواقع تجارية وهمية قد تودي ببعضهم إلى الإفلاس. فيما كادت تقتل آخرين بسبب هول الصدمة، إثر اكتشافهم أنهم خسروا أموالهم في عملية تجارية غير موجودة.
في ما يلي بعض اللبنانيين الذين يروون تجاربهم المختلفة مع عملية التجارة الإلكترونية والتي انتهت كلها بالخسارة، من دون التمكّن من الوصول إلى مَن يقف خلف عمليات الاحتيال هذه.
شراكة وهمية مع الصين
يروي المواطن اللبناني، محمد، تفاصيل قصّة الإحتيال عليه على الشبكة العنكبوتيّة. ويقول لـ”العربي الجديد”، متذكراً تفاصيل ما حصل معه: “أردت العودة إلى وطني الأم للانطلاق بمشروع تجاري جديد بعد سنوات طويلة من الهجرة، فلجأت الى التجارة الإلكترونية من دون أن أدرك مخاطر هذا الأمر”.
ويتابع: “أوهمني صديقي في البداية أنّ التجارة عبر الإنترنت ربحها مضمون”. وبهدف حصوله على مكاسب ماديّة خاصة (عمولة)، لجأ الى التواصل مع شركة Shaheizy Poly التجاريّة، زوّده بها موقع “علي بابا” الإلكتروني ضمن لائحة تتضمّن العديد من تلك الشركات، من دون أن يقدّم هذا الموقع أي ضمانات على جديّة عمل تلك الشركات. فتمّ الاتفاق على استيراد مواد غذائيّة من الصين بسعر مربح (17 أالف دولار أميركي)، “بعد اعتماد الشركة الأسلوب التجاري الصحيح من خلال تزويدي بلائحة تتضمّن عرض أسعار مغرية، فوافقت على ذلك وقمت بتحويل المبلغ عن طريق بنك البحر المتوسط”.
ويردف: “تم تسديد الأموال، وفي الوقت المحدد لاستلام البضائع، توجّهت الى مرفأ بيروت وأعطيت رقم “الكونتينر” الذي زوّدتني به تلك الشركة للمختصين، لأكتشف عندها أنّ لا وجود لبضائع مستوردة باسمي وأنّ الشركة تلك وهميّة ولا وجود تجاري لها في الواقع”.
ويضيف لـ”العربي الجديد”: “الرقم الذي كان في حوزتي يعود الى “كونتينر” لشركة أخرى موجودة داخل لبنان… ذُهلت لذلك وتوجّهت الى المسؤول في شركة MSC المسؤولة عن شحن البضائع الى مرفأ بيروت طالباً منهم توضيح هذا الأمر”.
وطرح عليهم العديد من الأسئلة، منها كيف يمكن لشركة وهميّة أن تحصل على رقم “كونتينر” صحيح موجود في لبنان؟ مشيراً الى تورّط بعض العمّال في هذه الشركة “MSC بفرعها في الصين بهذا الاحتيال، فكان رد المسؤول عليّ أنّه سيحقق في الحادثة ويلاحق كلّ متورط في هذا العمل”. وعلقّ محمد: “ما نفع ذلك بعد أن ضاعت أموالي؟”.
ويضيف: “حاولت التواصل مع أحد الأصدقاء المتواجدين في الصين وطلبت منه التوجه الى عنوان الشركة الموضوعة على الإنترنت، وكانت الصدمة الثانية، إذ إنّ العنوان كان ضمن بناء مهجور لا حياة فيه”. وتابع: “وكّلت محامياً لمحاولة كشف المتورّطين واسترجاع أموالي، مع علمي بصعوبة ذلك”. ويختم بالقول: “أطلب من الدولة أن تشدّد المراقبة في المرفأ وعلى الإنترنت”.
“كدت أموت”
فريسة جديدة “للنصب عبر الإنترنت” وقع ضحيّتها المواطن اللبناني أحمد دريان، الذي صرّح لـ”العربي الجديد”: “اشتريت ثياباً بحوالي 35 ألف دولار أميركي عبر أحد المواقع الإلكترونيّة، وبعدما حوّلت المبلغ كاملاً الى حساب الشركة، اكتشفت عندها أنّها شركة مزيّفة، فتعرّضت لنكسة صحيّة خطيرة كادت أن تودي بحياتي”.
أما إبراهيم الخوري، فأكّد لنا أنّ “بطاقتي الائتمانيّة قد تعرّضت للقرصنة منذ أسبوعين، حيث قاموا بتحويل بعض الأموال وشراء بعض المنتجات بموجبها، بعد تمكّنهم من معرفة الرقم السرّي لها، فسارعت الى إخطار المصرف بذلك الذي قام بدوره بإلغاء البطاقة وزودني ببطاقة جديدة وردّ كل المبالغ المأخوذة منها”.
وإلى جانب إبراهيم وأحمد عشرات التجارب اللبنانية التي انتهت بنتجية كارثية ومأساوية على أصحابها.
الملاحقة القانونية ممكنة
في عمليّات الاحتيال، استغلال لقلّة معرفة الأشخاص بطريقة التعامل مع الغرباء على الانترنت، وأيضاً تدنّي ثقافة الوقاية وخاصةً في الأعمال الإقتصادية على الشبكة. ولكن هل يُمكن ملاحقة الجُناة؟
يوضح المحامي أنطون سعد، الخبير في القانون الدولي، لـ”العربي الجديد”، أنّ “عمليّات الاحتيال الموجودة على الإنترنت هي من الجرائم التجاريّة الدوليّة المنظّمة، حيث يمكن أن نجدها عبر الاتصالات والنقل البحري وغيرها. وقد يلجأ البعض الى القيام بمناورات احتياليّة عبر إيهام التجّار والشركات اللبنانيّة بأنّهم شركات تجاريّة إلكترونيّة يقومون بنشاط تجاري وهمي من خلال تصدير البضائع ليحصدوا أكبر عدد من ضحايا احتيالهم”.
وعن إمكانيّة ملاحقة هؤلاء، يؤكّد سعد “يجب على ضحايا هذا الاحتيال التواصل مع محامٍ في لبنان وفي الدولة التي تكون مقرّاً للشركة المزعومة، ليتابعا ذلك في القضاء المختص. على الصعيد اللبناني، تبدأ الأجهزة بالتحرّي عن الأرقام الداخليّة والخارجيّة وتطلب من الدولة الأخرى ذلك أيضاً. هذا بالإضافة إلى العمل على كشف السريّة المصرفيّة عن الحسابات المحوّلة والطلب من السلطات الخارجيّة المعنيّة القيام بذلك والتوصل الى أسماء المتورّطين من خلال رصد الحركات الماليّة المصرفيّة والجهات الداعمة لهم. إلى جانب العمل على مصادرة الأموال المتوفّرة وإعادتها إلى أصحابها”.
ويختم بالقول: “هذه العمليّة لا تخلو من الصعوبات الناتجة عن لجوء بعض تلك الشركات إلى استعمال الاتصالات الدوليّة المشفّرة والحسابات المصرفيّة بأسماء وهميّة وأماكن متعدّدة”.
الأمن اللبناني بالمرصاد؟
أمّا رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، المقدم جوزيف مسلّم، فيقول لـ”العربي الجديد”: “يجب على ضحيّة المواقع الاحتياليّة أن يتقدّم بشكوى لدى النيابة العامة والتي بدورها تحوّلها الى مكتب مكافحة المعلوماتية، حيث يتم التحقق من تلك الشكوى والمتابعة مع الدولة التي وقع فيها الاحتيال، ومن ثمّ تعمد إلى إرسالها عبر الإنتربول الدولي، وإن تبيّن تورّط أشخاص من لبنان تتمّ ملاحقتهم متوّرطين وتوقيفهم”.
ويختم المقدم مسلّم: “يجب على المواطن اللبناني أن يكون لديه الوعي الكافي وأن يتأكد من السجل التجاري للشركة وموقعها وحساباتها المصرفيّة، وفي حال لم يتمكّن من ذلك، نطلب منه الاتصال على الرقم الساخن لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة الذي يقوم بدوره بالتأكّد من مصداقيّة هذه الشركات وتزويد المواطن بالمعلومات اللازمة لحماية نفسه من أي عملية احتيال”.