::عمر قصقص::
يكادُ عدد الوفيات نتيجة حوادث السير في لبنان يكون السبب الأول للموت، وتحديداً لدى فئة الشباب. فتكثر على الطرقات اللوحات الإعلانيّة طيلة أيام السنة، للتوعية من مخاطر القيادة بتهوّر، كذلك الأمر على الشاشات والصحف والإذاعات.
والتوعية من مخاطر القيادة على الطرقات والتخفيف من نسبة حوادث السير، قد يكون الموضوع الوحيد الذي يجمع عليه اللبنانيّون كافة.
مع كل مناسبة، تظهر حملة إعلانيّة جديدة، مثل عيد رأس السنة، وعيد العشاق، وموسم الصيف والسهر، وغيرها. وقد نجحت هذه الحملات في خفض نسبة الوفيات على خلفيّة حوادث السير.
لكن القيادة المتهوّرة ليست وحدها السبب، بل استخدام الهواتف الذكيّة وتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي عليها، أو إرسال رسائل نصيّة، أو حتى التقاط الصور في أثناء القيادة.
اكتب إن استطعت
شارك فنانون لبنانيّون شركة “تاتش” للاتصالات في حملة توعية أطلقتها بالتعاون مع “جمعيّة يازا للوقاية من حوادث السير”، بهدف التعريف بمخاطر استخدام الهاتف الخليوي في أثناء قيادة السيارة. وقد أتت الحملة تحت عنوان “تكست إف يو كان” (اكتب إن استطعت). أما السبب، فهو أن لبنان يخسر سنوياً مئات الأشخاص في عمر الشباب نتيجة السرعة الزائدة في القيادة واستخدام الخليوي.
تجدر الإشارة إلى أن بيانات منظمة الصحة العالمية تفيد بأن عدد ضحايا حوادث السير، سنوياً، قد تعدّى مليوناً و240 ألف قتيل حول العالم، من بينهم نحو 250 ألف شخص يقتلون نتيجة الانشغال بالهاتف في أثناء القيادة، لتكون نسبتهم 20 في المائة من مجمل قتلى حوادث السير.
وتقوم فكرة هذه الحملة على مشاركة ثمانية وجوه مشهورة من لبنان، تعمل في مجالات مختلفة. بعض المشاركين يمتهنون الموسيقى أو الغناء، أو يعملون في وسائل الإعلام، أو يمارسون الرياضة. وقد طلب من هؤلاء الأشخاص القيام بأعمالهم واستعمال الهاتف المحمول لإرسال رسائل نصيّة. بطبيعة الحال، عجزوا عن القيام بذلك. وهنا الرسالة تحديداً: لا يمكن القيادة واستعمال الهاتف المحمول.
فكاهة للتوعية
عُرضت هذه الحملة على شاشات لبنانية عدة، قبل البدء بتحميل تسجيلات الفيديو على موقع “يوتيوب” بهدف مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي. ويوضح مدير عام شركة “تاتش”، وسيم منصور، لـ “العربي الجديد”، أن هذه الحملة “انطلقت بإيجابيّة، وخاطبت العقل من دون تحدّ، بهدف تجنب الآثار السلبيّة لاستخدام الهاتف المحمول في خلال القيادة، والتوعية بأسلوب فكاهي ومرح”.
يضيف: “تواصلنا مع أطباء وحصلنا منهم على تقارير تُظهر طريقة عمل الدماغ ومدى قدرته على التركيز حين يقوم بعملين في الوقت نفسه، وخلصنا إلى أنه لا يمكن لأي إنسان أداء عملين في وقت واحد وبشكل ناجح. فكيف سيكون الحال إذا كان يجمع بين قيادة السيارة واستعمال الهاتف الخليوي؟”. يتابع: “نحن نقوم بحملات توعية منذ ثلاث سنوات، والقاعدة الشبابيّة هدفنا لأنها تشكل القسم الأكبر من مستخدمي الرسائل النصيّة، ونسعى في كل عام إلى تغيير أسلوبنا”.
من جهته، يشرح شربل نوار وهو عضو في “يازا” لـ “العربي الجديد” أن “70 في المائة من الشباب المتوفين في لبنان لقوا حتفهم نتيجة حوادث السير، ويعود السبب إلى انشغالهم بالهاتف الخليوي، وخصوصاً الإناث”. لكنه يلفت إلى أن “التحقيقات ليست دقيقة ولم نصل حتى يومنا هذا الى حرفيّة تمكّننا من القيام بإحصاءات دقيقة مائة في المائة”.
ويوضح نوار لـ “العربي الجديد” أن حملة “تكست إف يو كان” أطلقتها شركة تاتش، استناداً لأبحاث علمية صدرت في أميركا، وأكدت أن الدماغ البشري لا يمكنه القيام بأمرين في وقت واحد. وجاءت الحملة بعدما صوّر عداء جامايكي إعلاناً لإحدى الهواتف النقالة، وقد فاز في السباق علماً أنه كان يستعمل الهاتف. ويتابع قائلاً: “لقد انتشرت هذه الحملة في الولايات المتّحدة وأوروبا وصولاً إلى لبنان، وهي من أنجح الحملات لأنّها تضم شرائح مختلفة ووجوهاً مشهورة ومحبّبة لدى الناس، مما يؤدي إلى سهولة وسرعة وصول الرسالة إلى عقول الشباب، بالإضافة إلى الطابع الإنساني لتلك الحملة”.
وعن نتائج هذه الحملات، يقول نوّار إن “هذه الحملات تقلل من الحوادث نتيجة تفاعل الأشخاص معنا وحرصاً منهم على حياتهم وحياة الآخرين. كذلك، فإن البعض قد يتمرّد على حملات التوعيّة والسلامة فيكون الخيار الآخر لرجال القانون الذين يعمدون إلى ملاحقة هؤلاء ومعاقبة المخالفين”.
ويلفت نوار إلى أن تطبيق قانون السير الجديد “سيبدأ في شهر أبريل/نيسان المقبل بشكل تدريجي إلى جانب حملات التوعيّة، لأن الدولة ليست جاهزة لتطبيقه بالكامل ودفعة واحدة”.
ويتحدّث نوار عن إدمان الهواتف الذكيّة، مشيراً إلى أن “آخر الدراسات أثبتت أنّ الاستعمال المفرط للأطفال للأجهزة التكنولوجيّة، وازدياد عدد التطبيقات، يؤديان إلى الإدمان التكنولوجي. وقد تتعدى خطورته الإدمان على التدخين، إذ لا يملك الشخص القدرة على التحكم بعدم الرد على الرسائل التي تصله”.
وعد بالالتزام
يبدو أن المشاركين تأثروا بهذه الحملة. يقول الفنان اللبناني الكوميدي، طوني أبو جودة، لـ “العربي الجديد”: “أستخدم الهاتف في أثناء القيادة، لكنّني سألتزم بعدم استخدامه قدر المستطاع”. يضيف: “شاركتُ في هذه الحملة لتوعية الشباب لأن ما يحصل ظاهرة خطيرة من إدمان على فيسبوك وواتساب، اللذَين كانا سبباً في مقتل عدد كبير من الشباب حول العالم وخصوصاً في لبنان”. ويتابع: “لا يمكن أن ننتظر القانون وتطبيقه أو نستغلّ عدم وجوده كي نقوم بالتوعية. كذلك، فإن طرقات لبنان تفتقر أيضاً إلى الإنارة الليليّة”.
إلى جانب أبو جودة، شاركت المغنية كارول صقر، والموسيقي شربل روحانا، والشيف رمزي (وهو أحد كبار الطباخين) وغيرهم من الوجوه اللبنانيّة المعروفة في هذه الحملة. فهل يشهد لبنان هذا العام انخفاضاً في عدد حوادث السير، في وقت تبدو فيه الدولة غير قادرة على تطبيق قانون السير الجديد كاملاً؟