::عمر قصقص::
خلال الأسابيع الأخيرة، انفجرت في لبنان قضية التحرش بالأطفال داخل دور الرعاية بالأيتام. فجّر القنبلة الشاب طارق ملّاح، الذي كشف أنه قبل عقد ونصف من الزمن، وعندما كان طفلاً في أحد دور الأيتام الشهيرة في لبنان، تعرّض لتحرّش جنسي من قبل أولاد أكبر منه سنّاً. وأكّد أن عدداً كبيراً من الأطفال واجه الكابوس نفسه، لكن أحداً لم يتجرأ على الكلام. والأسوأ بحسب ملاح أن إدارة الدار كانت تعلم بما حصل، ولكنها فضلت السكوت، وعدم تأمين الحماية للأطفال.
الموضوع تحوّل إلى قضية إعلامية، وأطلّ طارق على أكثر من قناة، ليتحدّث عن مأساته، وفتح الباب أمام قضايا مشابهة في دور رعاية أخرى. هكذا أثارت الإعلاميّة ريما كركي في برنامجها الأسبوعي “للنشر” على قناة “الجديد” قضيّة تحرّش واغتصاب أطفال في دار أخرى من قبل سائق الباص الموظف لدى الدار منذ سنوات، حيث تحرّش ولمرّات عدّة بأطفال الدار المتواجدين في قسم واحد، ولم يلاحق قانونياً بل عملت المؤسسة على طرده.
وأيضا أثار جو معلوف في برنامجه “حكي جالس” على قناة LBCI قضية طارق ملاح، مسمياً الدار بشكل مباشر، ومتهماً إياها بالتواطؤ والتقصير.
وأعاد معلوف فتح الملف مرة أخرى، من خلال تقرير بعنوان “أهلاً وسهلاً بكم في دار الأيتام الإسلاميّة دار الاغتصاب دار الرياحين”. بالإضافة الى شهادات الأطفال الضحايا وذويهم؛ والذين شرحوا معاناتهم من الاغتصاب وتداعيات ذلك على الصعيد النفسي والجسدي. وأشار معلوف خلال الحلقة إلى أنّ المتورّطين بتلك العمليّات لم يلاحقوا قانونيّاً تحت غطاء مذهبي أو طائفي.
على أثر ذلك، انهالت الاتصالات على الهواء من قبل العديد من الأشخاص الذين تعرّضوا لشتى أنواع العنف والتحرّش داخل هذه الدار، وأدلوا بشهاداتهم.
أشعلت قضيّة طارق من جديد مواقع التواصل الاجتماعي تضامناً معه، وتعبيرا عن سخطهم من ردّة فعل وزير الشؤون الاجتماعيّة رشيد درباس الذي صرّح لإحدى الصحف اللبنانية أنه يجب على “طارق ملاح أن يستر عورته”.
من جهتها قالت زينة علوش المديرة التنفيذيّة لجمعيّة “بدائل” في حديث مع “العربي الجديد”: “أنا لا أوافق على تدخّل وسائل الإعلام بتلك القضايا؛ وذلك لأنّ مقدمي البرامج ليسوا أخصائيين اجتماعيين، وليست لهم دراية بمعالجة مثل هذه المواضيع؛ فظهور طارق على الإعلام، ومطالبته القيام بمظاهرة أمام الدار يخالف القانون الذي نحرص عليه، فقد أمضينا سنة ونحن نحضّر الأمور القانونيّة لإصلاح دور الرعايا”.
أما في ما يتعلّق بالتشهير بالأشخاص والإثارة المجانيّة، وحدود الإعلام في تناول المواضيع الحسّاسة وكشف الحقيقة، أكّد المحامي عصام سباط؛ الناشط في مجال حقوق الإنسان في حديث لـ “العربي الجديد” أنّ “الموضوع يتناول شقّين؛ وهما الشقّ النفسي وآثاره على الطفل وذويه؛ وذلك أمر حتمي، وشقّ قانوني”. ويضيف “عندما تُطرح مثل هذه القضايا على الإعلام، وتتحرّك بدورها النيابة العامة؛ فقضيّة طارق ممنوع تناولها إعلاميّا الآن حتى انتهاء التحقيق، وصدور الحكم المناسب بذلك”.
أمّا الشاب طارق ملاح أكد في حديث مع “العربي الجديد” أنه “لا أعتقد أن ظهوري في الإعلام سيؤثر على مستقبلي، ولو أثر لا يهمني، فاليوم همي الوحيد إنقاذ الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب في دور الرعايا، وآخر همي ما يفكر به المجتمع اللبناني”.