في السنوات الأخيرة، غدا الراديو بمثابة “تحفة فنية” في المنازل، له ذكريات جميلة مع أجدادنا، بعد أن حلّت شاشات التلفاز مكانه، وباتت هي الناقل الأساسي للخبر والبرامج المسلية للناس. إذ إن هناك الآلاف من المراهقين الذين تخطّوا الـ16 عاماً لم يستخدموا الراديو في حياتهم قط.
سبب وفاة الراديو، تقريباً، هو أنه لم يستطع مواكبة الضغوطات التكنولوجية الحديثة التي اقتحمت كل منزل وكل سيارة في العالم، فغدا الجيل الشاب لا يستخدمه حتى في السيارة. معوضاً ذلك بالـ USB الممتلئة بالأغاني، أو عبر هاتفه عن طريق الـ AUX، معتمداً على التطبيقات لحصوله على خبر العاجل، أو أي خبر قد يحتاجه ابتداء من زحمة السير، وصولا إلى أي خبر أمني أو سياسي.
مطلع العام، نعت النرويج البث الإذاعي عبر موجات FM، وأجبرت جميع المحطات الإذاعية للانتقال إلى البث الصوتي الرقمي (أي البث عبر الإنترنت)، بعد خسارات مالية ضخمة لحقت بهم، وبعدما اكتشفت أن راديو الـ FM أصبح من الماضي الجميل، وأن نظام البث الرقمي يحتاج إلى طاقة أقل لتشغيله، وفي الوقت نفسه يوفر مزيدا من القنوات والجودة مقارنة بنظام FM.
بعد وفاة الراديو.. الشاشات التقليدية في خطر
المطبات التي عانى منها الراديو والتي أودت به إلى براد الموتى، بدأ التلفزيون التقليدي يعاني منها، وهو عدم قدرة أغلبية المحطات على مواكبة التكنولوجيا الحديثة التي غزت العالم، وعدم اكتراث الجيل الشاب للشاشات التقليدية، بعد أن غدا البديل عنها قنوات تنشر الأخبار والفيديوهات بطريقة حديثة تحاكي تطلعاتهم، إلى جانب المسلسلات التي يهتمون بها والتي يتحكمون في توقيتها.
من حيث الأرقام، نشرت شركة “إريكسون “تقريرًا جاء فيه أن نسبة مشاهدة التلفاز التقليدي انخفضت إلى 50 بالمائة عند المراهقين مقارنة بالجيل السابق، وهذا الرقم يعد مخيفاً جداَ، فيما ارتفعت نسبة مشاهدة الفيديوهات عبر الهواتف الذكية إلى 85 بالمائة. وبحسب توقعات الأرقام، ستزيد نسبة مشاهدة الفيديوهات عبر الهواتف إلى 70 بالمائة في السنوات الخمس القادمة، أي عام 2021.
وأكد التقرير نفسه، أن ثلث مستخدمي الإنترنت الذين يستعملون الهواتف الذكية. مثلا، في السعودية وتركيا والإمارات العربية، باتوا اليوم يشاهدون البرامج والمسلسلات التلفزيونية عبر هواتفهم وفي الأوقات التي يحددونها. وفي البلدان هذه غدت مشاهدة الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الإنترنت المجانية هي في المراتب الأولى. وأظهر التقرير أن 29 بالمائة هو معدل المنطقة من حيث مشاهدة التلفاز والفيديوهات عبر الطلب، أي عبر الإنترنت.
وساهمت الشركات التكنولوجية الكبرى في تغيير مفهوم التلفزيون التقليدي في أذهان الناس، بعدما اتجهت إلى ابتكار وتطوير فكرة “ما يطلبه المشاهد”، كما فعلت شركة “غوغل” عندما أطلقت “يوتيوب تي في” التي تتيح رؤية شبكات البث الأميركية الأربع الرئيسية، بالإضافة إلى قنوات مدفوعة مسبقا بقيمة 35 دولارا شهرياً.
الشركات المتخصصة ببث الأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت
كما تستمر شبكة “نيتفليكس” الأميركية، المتخصصة في بث الأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت، في التطور وتوسيع باقاتها للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين، خاصة عندما دخلت إلى العالم العربي من بوابة السعودية. وتتميز بمفهوم “المشاهدة وفق الطلب”، وهذا الأمر تعاني منه القنوات التقليدية التي تبث برامجها سواء أعجبت المشاهد أم لم تعجبه.
هذا الأمر دفع الشركات المعلنة إلى تجزئة إعلاناتها، وتحويلها من الشاشات التقليدية إلى منصات “النيو ميديا” التي تغص بالجيل الشاب، أي من عمر 17 إلى 34. وهذا الجيل هو الجيل المستهلك الذي تهتم له جميع الشركات من دون استثناء.
صحافة المواطن
مع ازدياد أرقام الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت ظاهرة “صحافة المواطن”، أي أصبح رواد مواقع التواصل ينقلون ويتفاعلون مع أي حدث أمني أو سياسي بالصوت والصورة على صفحاتهم ويتابعهم الآلاف من الناس. هذا، وساعدت تقنية الفيسبوك لايف والبيريسكوب (تويتر لايف) الناشطين لنقل أي حدث مجانا وبسرعة البرق وأسرع من المحطات التلفزيونية التقليدية. لدرجة أن المواطن أصبح قادرا على الاستغناء عن التلفاز في المنزل.
بدأت فكرة الراديو في العالم العربي تختفي تدريجيا من أذهان الناس، بعد أن كان من المستلزمات الأساسية للمنزل، لتحتل مكانه شاشات التلفاز العملاقة التي هي الآن في خطر والتي بحسب الأرقام سيصبح مصيرها كمصيره. لكن في الوقت الراهن لابد من الاعتراف بأن التلفاز هو أكثر وسيلة مؤثرة في الناس.. لكن ليس إلى وقت بعيد.
عمر قصقص – العربي الجديد