إقفال مكاتب صحيفة “الحياة” في بيروت: قرار سياسي لا أزمة مالية

منذ أشهر بدأ خبر إقفال مكاتب جريدة “الحياة” في بيروت بالتداول بين الموظفين من دون أي نفي أو تأكيد رسمي من المعنيين. تزامن ذلك مع التأخر في الرواتب عدة مرات وتراكم ديونها المستحقة لدى المطابع في لبنان، بينما أوقفت اشتراكها في خدمتي “فرانس برس” و”الدنيا”، مكتفية بمصادر مراسليها ومن بينها وكالة “رويترز”.
صباح اليوم، استفاق موظفو الصحيفة على تعميم من الإدارة، أقل ما يقال عنه إنه مجحف ومهين بحق العاملين فيها، يفيد بأن مكاتب صحيفة “الحياة” ومجلة “لها” (صادرة عن دار الحياة) في بيروت ستقفل في 30/06/2018، وأنها ستنهي عقود العمل معهم بحجة الظروف الاقتصادية، أي من دون دفع تعويضات، طالبة منهم تشكيل لجنة من ممثلين لهم للحضور الى وزارة العمل، للاطلاع على رأيهم واقتراحهم.

هذا التعميم لحقه اجتماع للموظفين مع المدير التنفيذي لـ”الحياة”، اللبناني رجا الراسي، والذي أكد أن الصحيفة ستنهي عقود العمل مع جميع الموظفين في لبنان، على أن يتم الاتفاق على عقود جديدة مع بعض الموظفين الذين سيعملون من منازلهم. ووعدهم بأنهم يسعون لتأمين مكافآت للموظفين عوضاً عن التعويضات التي لن يدفعوها، لأن الصرف سيكون اقتصادياً عملاً بالمادة 50 من قانون العمل اللبناني.

وأثار خبر الصرف بلبلةً في أروقة الصحيفة، خصوصاً من الموظفين الذين قضوا نصف عمرهم في مكاتبها، معتبرين أن الصرف بحجة الأزمة المالية مبتذل ومهين ومجحف بحقهم وقلة وفاء للتضحيات التي قدموها للصحيفة.

وبدأ الحديث عن تشكيل لجنة لمتابعة الملف بشكل قانوني.

وأكّد مصدر مطلع لـ”العربي الجديد”، أن قرار إقفال مكاتب الحياة في بيروت أتى من السعودية، ولا علاقة له بأي أزمة مالية بل سياسية بحت، خصوصاً أن حجم الحريات التحريرية في الصحيفة يعد مقبولاً نوعاً ما مقارنة بصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

وقال المصدر إنّ صاحب الصحيفة، الأمير خالد بن سلطان، لديه السيولة المالية الكافية ليبقي الصحيفة أكثر من 50 عاماً كما هي عليه الآن، لكن تقفل الصحيفة أبوابها في ظلّ تماشيها مع السياسة السعودية الراهنة بالتخفيف من أهمية بيروت، والتركيز إعلامياً على الرياض ودبي.

وأكد مصدر آخر لـ”العربي الجديد”، أنّ “حجّة خفض التكاليف غير منطقية، نظراً إلى أنّ كلفة نقل مكاتب الصحيفة إلى دبي أكبر من إبقائها في بيروت”. وأضاف أنّ أربعة صحافيين محليين في بيروت سيتم الإبقاء عليهم في مكتب صغير في بيروت، على أن يتابع الكاتب عبده وازن العمل من منزله”.

وفي ما يتعلق بالمادة 50 التي تحجّجت بها الصحيفة، أوضح المحامي سامر حمدان أنّ “ما تقوم به صحيفة (الحياة) هو لتبرير فعلها وعدم اعتباره صرفاً تعسفياً يرتب عليها تعويضات يفرضها القانون، ولذلك هي تتمسك بالمادة 50 من قانون العمل، وتحديداً الفقرة (واو)، أي ما يسمى بالصرف لأسباب اقتصادية”.

وأشار إلى أنّه “في هذا النوع من الصرف، يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الإنهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل”.

وأضاف أنّه “بهذه الحالة على صاحب العمل أنّ يبلغ وزارة العمل رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء تراعى معه أقدمية العمال في المؤسسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي، وأخيرا الوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم”، لافتاً إلى أنّه “هذا ما حصل مع إجراء صحيفة (الحياة) حينما وصلهم تعميم من الإدارة لحضور جلسة تشاور لإبداء رأيهم، بحضور رئيسة مصلحة العمل والعلاقات العامة في وزارة العمل السيدة مادلين عطاالله”.

وشدد حمدان على أنّ “وزارة العمل لا يسعها إلا القيام بواسطات لحل القضية حبيّاً، فهي تقوم بتحقيق مع صاحب المؤسسة والأجراء، وقد تلجأ إلى طلب الحسابات والميزانيات للتأكد من عجز المؤسسة ووقوعها بالخسائر، ومن ثم البت بالموضوع بصورة غير إلزامية”، موضحاً أنّه “يبقى للأجير الحق بالذهاب لمجلس العمل التحكيمي في حال كان لديه أي اعتراض جديّ على ما وصلت الأمور إليه، واعتبار ما حصل معه صرفاً تعسفياً تحت غطاء اقتصادي”.

وختم المحامي اللبناني مشيراً إلى الفقرة “ز” من المادة نفسها التي تؤكّد على أنّ “العمال المصروفون من الخدمة يتمتعون ولمدة سنة تبدأ من تاريخ تركهم العمل بحق أولوية (أفضلية) في العودة إلى العمل في المؤسسة التي صرفوا منها إذا عاد العمل فيها إلى طبيعته وأمكن استخدامهم في الأعمال المستحدثة فيها”.