في وقت يخرج سياسيون وإعلاميون لبنانيون محسوبون على جهات نافذة تملك السلاح على المنابر والإعلام لينضحوا بشتى أنواع التهديد وهدر الدماء والشتائم بحق كل من ينتقدهم أو يخالفهم الرأي من دون أي حسيب أو رقيب، تقتحم قوّة عسكرية تابعة لقوى الأمن الداخلي مكاتب موقعٍ إلكتروني.
هذا ما حصل يوم أمس مع موقع “درج” في بيروت، والسبب؟ مقال. فقد حضر عنصر من التحري في قوى الأمن الداخلي إلى مكتب “درج” لتبليغ رئيس تحرير الموقع، حازم الأمين، بدعوى قضائية تتعلق بمادة نشرت في الموقع. إلا أن الأخير رفض تقديم معلومات عن هوية مالكي “درج” للعنصر، مطالباً أن يجري ذلك بحضور المحامي، فغادر العنصر، قبل أن تحضر دورية مسلّحة وتقتاد الصحافي مكبّل اليدين إلى المخفر للتحقيق.
وفي حديث مع “العربي الجديد”، يشرح الصحافي حازم الأمين تفاصيل ما حدث، وكان سبق أن نشره ليلاً على مواقع التواصل الاجتماعي: “بعد وقت قصير من مغادرة العنصر، فوجئ الموظفون بوصول دورية من نحو عشرة عناصر مسلحة إلى المكتب، وانتشر عدد منهم في حديقة المبنى على نحو قتالي، فيما تصرف الذين اقتحموا المكتب مع الزملاء الصحافيين بطريقة فظة، ثم وضعوا القيود بيد أحد العاملين، واقتادوني من المبنى مكبلاً على نحو بوليسي يوحي بأنهم حيال جريمة كبرى، وفي السيارة تم وضع الأصفاد في يدي”.
يتابع الأمين: “الأمر اختلف عندما وصلت إلى الثكنة، حيث تمت الإجراءات الروتينية التي لم تكن تتطلب هذا القدر من (اليقظة الأمنية)، وتم فك الأصفاد وإطلاقي. وفي الأثناء تعامل المحقق على نحو ودي وأبلغني بأن عنصر التحري اتهمني بالعدائية تجاهه وباستخدام عبارات غير لائقة، وهذا لم يحصل أبدا، انتهى الاستجواب بعد نحو ساعتين بإخلاء سبيلي، علماً أنّ الدعوى موضوع القضية تم إسقاطها من قبل المدعي”.
وعن متابعة الموضوع قانونياً وتأثيره على الموقع، يؤكد الأمين أن فريقه تواصل مع عدد من المحامين “لأن الذي حصل غير مقبول بجميع المعايير، وقد تكون هناك خطوات سنتخذها”، وتابع: “درج موقع صحافي مستقل يتوخى المهنية، وكل مادة نشرت في الموقع متمسكون بها وحريصون عليها؛ وعندما بدأنا في إطلاق الموقع كنا نتوقع أن نتعرض لضغوطات سياسية وأمنية، ولكن نأسف أن لبنان الذي يتمتع بمساحات حرية نسبية متبقية في المنطقة، على الطريق ليصبح دولة بوليسية”.
ويختم حازم بالقول: “عندما اقتادوني كصحافي مصفداً إلى مركز الأمن وكأنني أهدد الأمن، حضرت إلى ذهني التهديدات التي أطلقت في الأيام الأخيرة من قبل سياسيين وأنصارهم بلغت حد تهديد رئيس الحكومة بالقتل من دون أن تحرك الدولة ساكناً، وهذه التصرفات تكررت مراراً مع الصحافيين، ولكن لن تثنينا عن دورنا، لأن الصحافي حاجة وضرورة للبنان والمنطقة، والصحافة المستقلة تخوض معركة كبيرة نرى أثمانها في أكثر من دولة، وفي لبنان لدينا مساحة حريات يحاول البعض أخذها، إلا أننا نحاول التمسك بها”.
وأحدث ذلك غضباً بين الصحافيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، رافضين أن يتحوّل لبنان إلى دولةٍ بوليسية.