بالرغم من التطور التكنولوجي الذي شهدته وسائل الإعلام العالمية والعربية، والذي يسمح لها بتصوير ونقل أي حدث في العالم عبر الأقمار الاصطناعية والطائرات والهواتف الذكية مباشرة على الهواء، إلا أنّ التغطية الميدانية للصحافيين والمراسلين في ساحات الحروب والنزاعات لا تزال صاحبة المصداقيّة الأعلى عند الجمهور. لكنّ التحديات التي يواجهها الصحافيون والمراسلون خلال التغطية الإعلامية كبيرة وكثيرة، خصوصاً منهم الملتزمين بشروط المهنة وقواعدها. والمقصود هنا إجراءات الحماية والسلامة ونقل الأحداث بدقة، بالرغم من تعرّضهم في الكثير من الأحيان للترهيب والتهديد.
بحسب موقع الأمم المتحدة، فإن ما يقارب الـ 1010 صحافيين قتلوا بينما كانوا يؤدون عملهم بنقل الأخبار والمعلومات للعموم. وفي 9 حالات من أصل 10 تبقى الجريمة “ضد مجهول”، ويُفلت الفاعل من العقاب. وقد لقي ما لا يقل عن 53 صحافياً حتفهم في جميع أنحاء العالم أثناء قيامهم بعملهم خلال العام الماضي. وكانت أفغانستان هي البلد الأشد فتكاً بالصحافيين، مما تسبب في الجزء الأكبر من الزيادة في عدد الصحافيين القتلى عام 2018، بحسب تقرير لجنة حماية الصحافيين.
معركة الباغوز مثالاً
هذه الأرقام المخيفة يقف أمامها أي صحافي حاملاً تحديات كبيرة، خصوصاً في المناطق التي تشهد نزاعاً مسلحاً. أخيراً، ذهب صحافيون لبنانيون وعرب إلى سورية لتغطية معركة الباغوز بين تنظيم “داعش” الإرهابي وقوات سورية الديمقراطية “قسد”، على الحدود العراقية – السورية.
كان بين هؤلاء الصحافي إدمون ساسين الذي واجه تحديات خلال أدائه عمله. وعن ذلك، يقول ساسين، في حديثه لـ “العربي الجديد”، إن “أكبر تحد في التغطيات ضمن الأماكن التي تشهد نزاعات مسلحة هي ارتفاع منسوب الخطر على الفرق التي تغطي الحدث (مصور أو مراسل أو مساعد)، كلنا معرّضون بشكل أكبر من الأيام العادية للخطر، كالخطف والقتل والاستهداف، خصوصاً عند دخول منطقة غير آمنة. وبالتالي، فإنّ نسبة التعرض لإطلاق نار كبيرة جداً. وهذا الأمر حصل مع العديد من الزملاء نتيجة استهدافٍ من الجهة التي أطلقت النار عليهم بهدف قتلهم”.
ويرى ساسين أنّ “تجربة الباغوز تختلف عن غيرها بالأخص للفرق الإعلامية، فهناك مسافة كبيرة يجب قطعها في الليل، لأنها تشهد خلايا نائمة وألغاما وإطلاق نار على السيارات. فكل ذلك يعيق الفرق الإعلامية من الوصول إلى الباغوز. إلى جانب ذلك، فالمناطق مدمرة، ولا توجد فيها أي وسائل راحة، من طعام أو منامة. كل هذه تشكل تحديات كبيرة، على عكس التغطيات في عرسال (بقاع لبنان) إذ يكون لديك العديد من الحلقات مع الجيش اللبناني وأبناء عرسال الذين يزودونك بالمعلومات والصور حتى وإن كانت المعارك مع “داعش” أو النصرة”.
وتقول الصحافية يمنى فواز التي قامت بتغطية ميدانية في العديد من الدول العربية كسورية والعراق واليمن، في حديث لـ “العربي الجديد”، إن “التغطية في المناطق الآمنة هي الذهاب إلى مناطق واضحة، فتأخذ كصحافي بعين الاعتبار الأمور اللوجيستية والبيئة التي أنت ذاهب إليها، وطبيعة الناس، وتحترم عاداتهم وتقاليدهم. ,التغطية في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، بالأخص سورية التي شهدت استهدافاً للصحافيين وخطفهم، فهي يجب أن تكون بعد دراسة كاملة للمكان والأشخاص الذين ستتعامل معهم، بالإضافة إلى عدة خطط لتغطية الأخبار. ويجب أن يكون هناك فريق أمني يتابعك، أي أن تكون هناك خطة أمنية تتشكّل بين الإدارة وفريق العمل والقوى الأمنية. وهذا الأمر يغيب في لبنان بشكل أساسي”.
بين المعلومة والمهنية
عن الفرق بين تغطية الخبر في المناطق التي تشهد نزاعاً والمناطق “الآمنة”، يقول ساسين “التغطيات في المناطق غير الآمنة لا تكون مؤمّنة، لا على مستوى المأكل أو المبيت. وفي تجربة الباغوز مثلاً، بتنا خمسة أيام في الفان (سيارة نقل) التي كانت تتنقل بنا، لأننا كنا في منطقة مدمرة كلياً خالية من الناس الذين يقدمون خدمات على صعيد الفنادق أو الطعام. فلم نتناول الطعام الذي نأكله في يومنا العادي، بالإضافة إلى موضوع الاتصالات المتقطعة دائماً في الأماكن النائية. ومع هذا، كصحافي عليك أن تكون مواكباً لكلّ حركة ولكل تقدم، وأن تكون على علاقات جيدة مع طرفي النزاع، وعليك أن تدرك جيدًا جغرافية المنطقة لحماية نفسك والفريق، وفي الوقت نفسه أن تقدم للمشاهد الحقيقة”.
وعن علاقات المراسلين في طرفي النزاع خلال الحروب، يؤكد ساسين أن “التحدي الأكبر أمام الفرق العالمية في هذا المجال يتمثل في أمرين: الأول أن تستطيع الوصول إلى المنطقة التي تشهد المعارك وتحصل على الصور منها وتقدمها للمشاهد. وثانياً أن تحصل على المعلومة الصحيحة، خصوصاً أنّ معلوماتك ستحصل عليها من طرف واحد في المعركة. فمثلاً في الباغوز التواصل مع “داعش” مقطوع، وقد يكون لديك مصدر واحد، لذلك عليك أن تكون دقيقاً في نقل الخبر، وأن تكون المعلومة واضحة وصريحة. وهنا أيضاً يأتي دور الصحافي على الأرض أن يرى بعينيه، إذ قد يُقال “نحن لم نقصف كثيرًا، بل استهدفنا المسلحون”، بينما أنت ترى مناطق كاملة مدمرة ومخيمات وآليات محروقة وجثثا لا تزال موجودة تحت الأنقاض. هنا يجب أن تعرف ما تنقله للمشاهد، لأنّ مشاهداتك هي الحكم، وتضاف إليها المصادر، حتى لو كانت من مصدر واحد. وهذا تحد كبير لتحافظ على مصداقيتك ومهنيتك عبر تقديم معلومة سليمة للمشاهد”.
وعن أخلاقيات المهنة في مناطق النزاع، يؤكد ساسين أنّه “لا يجب أن تسقط أخلاقيات المهنة لحظة واحدة”، مشيراً إلى أنه على الصحافي أن يوثّق كل الأحداث، خصوصاً الانتهاكات ضدّ الناس، بغضّ النظر عن موقفه مثلاً. ويضيف: “لا يجب على الصحافي أن يتحول إلى مناضل سياسي، لأن المقصود النضال لأجل حقيقة صعبة تتطلب جرأة، وفيها خطورة، وهناك تحديات على ظروف العيش والتنقل كي يوصل المعلومة إلى المشاهد”.
الأمن الشخصي
من جانبه، يرى الصحافي اللبناني حازم الأمين الذي قام بتغطيات ميدانية في العديد من الدول كأفغانستان وسورية والعراق واليمن، في حديثه لـ “العربي الجديد”، أنّ “التحدي الأكبر عند الصحافي هو أمنه الشخصي وحياته وقدرته على الوصول إلى المعلومات التي يريدها من دون تعريض حياته للخطر، وهذا هو الشرط الأول. فالصحافي ليس مقاتلاً وغير معني بأن يأتي بقصة صحيحة يعرّض بها حياته للخطر”، حسب الأمين.
وعن الفرق بين التغطية الصحافية في المناطق الآمنة والمناطق التي تشهد حروبا، يقول “الفرق أن تعمل في مناطق الحرب وفق وقتٍ سريع جدًا، أي أنّ لديك وقتاً أقل للحصول على قصتك. وهناك العديد من الفروقات أيضاً، فإن كنت تغطي حرباً فأنت في منطقة خطرة، وإن كنت تكتب خبراً عادياً فأنت لست في خطر. فقيمة المعلومات تتفاوت بين منطقة وأخرى”.
أما عن وقوف الصحافي على مسافة واحدة من كل أطراف النزاع، خاصة في التغطية الميدانية وتحوّله إلى مناضل سياسي في بعض الأحيان، فيقول: “يجب على الصحافي أن يقوم بجهد كبير ليمارس الرقابة على نفسه وعلى انحيازاته الخاصة بأي نزاع مسلح. لا ينجح دائماً، لكنّ الجهد المطلوب ضروري. كما أنّ على الصحافي أن لا يتحول إلى مناضل سياسي في مناطق النزاع وغيرها. فالمهمة الأساسية في مناطق النزاع هي تغطية القصة والانتهاكات، ويجب أن ينحاز للمدنيين ويقدم رواية متوازنة عن ما يجري”.