من ينتقد أو يعارض أي خطأ يرتكبه “العهد”، أي رئيس جمهورية لبنان ميشال عون وصهره جبران باسيل وفريقهما السياسي على مواقع التواصل الاجتماعي، سيُستدعى للتحقيق معه في المكاتب الأمنية اللبنانية. ومن ينتقد الفساد المستشري في البلاد أو الاعتقالات العشوائية أو منتجعاً تعدَّى على شاطئ للعموم سيلاقي المصير نفسه.
هذه الموضة بدأت منذ يونيو/حزيران الماضي، فاستُدعي إلى التحقيق أكثر من 10 ناشطين وعدد من الصحافيين. ساعات طويلة تحت التحقيق والتعذيب المعنوي والانتقال من غرفة الى غرفة كفيلة كي يجبرهم القاضي أو القاضية على إزالة المنشور وإمضاء تعهد بعدم التعرض للمقامات والرؤساء وزعماء الطوائف. وهناك قضاة ذهبوا الى أبعد من ذلك، فأجبروا ناشطين بعدم فتح حساباتهم لشهر كامل، كما حصل مع الناشط شربل خوري والقاضية غادة عون.
وما إن يُستدعى أي ناشط إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية حتى تبدأ حملات التضامن معه، كما تطلق الوسوم المناهضة للعهد القمعي. ولكن تبقى الرسائل افتراضية، غير ملموسة، وغير قادرة على حمايتهم. وبعد توالي الاستدعاءات إلى المكاتب الأمنية، نظم الناشطون تحركاً على الأرض، تحت شعار “ضد القمع”، ونزل المئات إلى “ساحة سمير قصير”.
بدورها، أصدرت “منظمة العفو الدولية”، في 11 يوليو/ تموز الماضي تقريراً حول الاعتقالات التعسفية التي تطاول الناشطين في لبنان. وأكدت وجود محاولات غير قانونية لإسكات شريحة من المجتمع يجب أن تتوقف، فلا مناص من احترام الحق في حرية التعبير وحمايته، ولا ينبغي أبداً اعتقال شخص أو تهديده بسبب تعبيره السلمي عن آرائه.
كما طالبت المنظمة السلطات اللبنانية بوقف استخدام التعهدات غير القانونية وحماية حرية التعبير، واحترام حق الشخص في الحرية وفي الأمان على نفسه، وضمان معاملة المشتبه فيهم والمحتجزين معاملة إنسانية، طبقاً لما يتمتعون به من حقوق في الإجراءات الواجبة، وبالمباشرة على وجه السرعة وبحياد التحقيق فيما ورد من أنباء بشأن التعذيب وغيره من ظروف سوء المعاملة في مراكز الاحتجاز.
كما أصدرت مؤسسة “مهارات” الحقوقية بياناً استنكرت فيه تعاطي السلطات القضائية والأمنية القمعي والشعبوي مع مسائل التعبير في الانترنت.
ومن الناشطين الذين تم استدعاؤهم: شربل خوري والصحافية جوي سليم بسبب منشور سخرية، الناشطة صفا عياد والتهمة مقالة عن نائب استخدم مستشفى لحملته الانتخابية، أما آن ماري الحاج فاستدعيت بسبب مقالة عن عاملة أثيوبية رمت نفسها من الطابق الثاني هرباً من أصحاب العمل، وروان الخطيب بسبب منشور على “فيسبوك” ينتقد الاعتقالات، أما خالد العبوشي فاستدعي بسبب صورة على “فيسبوك” تقارن رئيس الجمهورية وأصهرته بحافظ الأسد وأولاده، وايلي الخوري بتهمة انتقاد رئيس الجمهورية.
أما الناشط عماد بزي فقد استدعي بسبب انتقاد منتجع متعد على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، وهو “إيدن باي”. ويقول بزي، لـ “العربي الجديد”، “رغم أنها ليست وجهة الاستعمال الأساسية لها، لكن السوشيال ميديا باتت تعتبر وسيلة تعبير ونشر، لتحررها من الرقابة المسبقة في أغلب الحالات”.
وعن الاجراءات التي تقوم بها السلطة للحد من حرية التعبير وإسكات الأصوات التي تنتقد أداء الدولة، يؤكد بزي أن “الناشطين والصحافيين لن يتوقفوا عن النشر، فوجود وسائل التواصل الاجتماعي ودورها الفعال إضافة الى شبكات الأمان التي يكونها المواطنون بمساندتهم لبعضهم البعض تكسر نوعاً ما حاجز الخوف. الغطاء هنا يوفره الناس لبعضهم البعض بتكاتفهم وتكافلهم وتضامنهم سواء عبر الإنترنت أو في الوقفات التضامنية”.
ويفيد “يتم حالياً تنظيم بعض ورشات العمل والحلقات النقاشية المغلقة بين الناشطين والحقوقيين والصحافيين والمدونين وغيرهم، ليتم الإعلان قريباً عن سلسلة من الإجراءات الاستباقية الهادفة لزجر السلطة السياسية عن المضي قدماً في أسلوب الاستدعاءات”.
الناشط محمد عواد المعروف بمنشوراته اللاذعة للسلطة، أوقفته دورية تابعة للأمن العام منذ حوالي أسبوع تحت شرفة منزله، وذلك بسبب انتقاد الرؤساء الثلاثة، من دون أي استدعاء مسبق عبر الهاتف، يقول لـ “العربي الجديد” إن “مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل رأياً، وغدت شارعا افتراضيا، يخافها الزعيم أو الحزب لهذا نشهد حالات قمعية وتهويلات على الناشطين”.
وعن ما يحصل في التحقيق يؤكد عواد أن مجرد التوقيف هو حالة غير قانونية فالدستور اللبناني يحفظ حرية الرأي والتعبير، إنما ما يحصل فنعم يُقال للموقوف الامضاء او التحويل للقضاء وهي حالة من الإسكات والترهيب تُعتمد في البلدان المحكومة عسكرياً. وعن الوقفات التضامنية يضيف: “هي لا تردع إنما تؤثر على الرأي العام العالمي مما يشكل حالة من الضغط على الدولة التي تأخذ قروضاً ومنحاً بحجة حماية ما لا تحميه وربّما قد توصل رسالة بأن ازدياد القمع قد يُنتج تحركاً في الشارع ولن يتم الرضوخ لمحاولات الترهيب”.
وعن الملاحقات التي تطاول الصحافيين والناشطين في الفترة الأخيرة، يقول الناشط السياسي أدهم الحسنية: “الفكرة أن السوشيال ميديا فضاء مفتوح ولا يخضع لضوابط كما هو الحال في وسائل الإعلام التقليدية التي تخضع غالبيتها لرقابة تحريرية هرمية ومن السهل ممارسة الضغط السياسي عليها والتدخل في مضمون الأخبار والملفات المنشورة، من هنا يأتي الحذر والخوف من فضاء السوشيال ميديا المفتوح غير الخاضع لرقابة والذي يمكن ان يشكل خطرا حقيقيا بوجود ناشطين وكاشفي فساد مؤثرين على هذه الشبكات”.
ويرى أن سياسة قضم الحريات المتبعة هي “سياسة ذكية، فهي تعتمد على توقيفات واستدعاءات متفرقة كي لا تظهر على أنها حرب ضارية على الحريات، هذا خطير جداً، من مساوئ هذا الأسلوب أنه سيزرع الخوف عند البعض لا شك، والأخطر انه سيجبر البعض على القيام برقابة ذاتية على المحتوى المقدم، فنشهد تراجعاً تدريجياً في قضايا كشف الفساد وحتى تراجعاً في الإبداع الفني السياسي وغيرها.
وعن التحقيقات التي تجريها مكاتب الأمن اللبناني، يقول الحسنية: “بحسب ما ورد في تقارير الجهات الحقوقية يمارس نوع من الابتزاز وذلك من خلال إجبار الموقوفين/ات على التوقيع على تعهد غير قانوني وبلا مفاعيل قانونية مقابل حريتهم”، أما عن تأثير وقفة “ضد القمع” على ردع السلطة، “بغض النظر عن أثرها، فهي وقفة مهمة جداً وفي هذا الوقت تحديداً، ومن الخطأ أن ننتظر اكثر للقيام بهكذا تحركات؟ لا يجب أن ننتظر اتساع رقعة القمع والتضييق لكي نتحرك؟ مستقبلاً لا مجال للندم في حال خسرنا في لبنان حرية الرأي والتعبير كقيمة سياسية اجتماعية”.
وعن المخططات المستقبلية للناشطين يختم بالقول: “سنتحرك قانونياً لتشكيل مجموعات حقوقية وقانونية تتابع الموقوفين والملفات وتوثيق الخروقات القانونية. وسنكمل حملات رفض القمع بشتى أشكاله”.
عمر قصقص – العربي الجديد