غدا امتلاك الأطفال والمراهقين هاتفاً ذكياً أمراً طبيعياً، إذ بات الطفل يتعلّم استخدام الهاتف قبل تعلّم النطق والقراءة، وأصبح انغماس مراهق في مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب والتطبيقات المتنوعة، حتمياً.
هذا الأمر خلق تحديات كثيرة ومتسارعة، فبين تخويف الأطفال من “بُعبع” الإنترنت، وبين إهمالهم لساعات وحيدين أمام شاشاتهم من دون أيّ مراقبة، تواجه شريحة واسعة من العائلات اللبنانية مشكلة وعي فعليّة حول سلامة الأطفال على الشبكة.
وأمام هذا الواقع الذي أفضى إلى تفشي ظاهرة “اتصال الأطفال بالإنترنت”، قامت الجامعة الأنطونية بصفتها الشريك الأكاديمي البحثي في الحملة الوطنية للوقاية من مخاطر الإنترنت على المراهقين في لبنان، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي، وزارة الشؤون الاجتماعية والمجلس الأعلى للطفولة وبرعاية المجلس الثقافي البريطاني. بإجراء دراسة حول “استخدام المراهقين والأطفال للإنترنت في لبنان” التي خلصت نتائجها إلى أنّ الأغلبيّة الساحقة من المراهقين في لبنان، لا يتعرضون لأي رقابة على الإنترنت من قبل أهلهم، لا لناحية المضمون، ولا لناحية ساعات استخدام الإنترنت. وعدد من هؤلاء المراهقين يتلقون أو يتبادلون صورا وفيديوهات متعلقة بالعنف والتطرّف. كما أنّ أغلبهم على اتصال وتواصل مع شخص غريب يتبادلون معه معلومات خاصة.
وتُظهر الدراسة التي طاولت 1891 مراهقاً ومراهقة لبنانيين، في المدارس وخارجها، أن 97 بالمئة من المراهقين (11 و18 عاما) يدخلون على المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي من خلال الهاتف الخليوي والكومبيوتر الخاص بهم من ساعة إلى 5 ساعات يوميا وأغلبيتهم من دون مراقبة الأهل.
كما يتواصل 66 بالمئة في المدارس على الإنترنت مع شخص غريب، و73 بالمئة من
” الأطفال خارج المدراس، متصلون بغريب. وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن 19 بالمئة من الأطفال والمراهقين في المدارس تلقوا رسالة من مجموعة متطرفة، و16 بالمئة في الميدان تلقوا رسائل مشابهة. وأشار 16 بالمئة من طلاب المدارس إلى أنّهم يعرفون تطبيقات يستخدمها المتطرفون، في حين ارتفعت النسبة إلى 50 بالمئة من خارج المدارس. وتبين الدراسة أن 10 بالمئة من طلاب المدارس متصلون بشبكات متطرفة، في حين أن 28 بالمئة من خارج المدارس متصلون بشبكات مماثلة.
كما تظهر الدراسة أن 42 بالمئة من الأطفال في المدارس يستخدمون الإنترنت للألعاب العنيفة، و33 بالمئة خارج المدارس يستخدمون الألعاب العنيفة نفسها. هذا ولم يكترث 65 في المئة من الأهل عند معرفة حقيقة تواصل ابنهم.
وعن أهداف الدراسة، تقول الأستاذة المحاضرة في كلية الإعلام والتواصل في الجامعة الأنطونية جيني مشنتف، في مقابلة مع “العربي الجديد”، إن “الدراسة تهدف إلى قياس وعي الأهل ومقدّمي الرعاية حول كيفية حماية الأطفال أونلاين، وإلى معرفة طبيعة المخاطر التي تواجههم خصوصا لناحية التعرّض للمحتويات العنيفة والمتطرّفة، والتعرّض للاستمالة والتجنيد من قبل الجماعات المتطرّفة”.
وعن المصاعب التي واجهتهم خلال الدراسة تضيف: “الصعوبة التي واجهتنا هي بلقاء الأطفال والمراهقين وأن يعطونا المعلومات الصحيحة من دون خوف أو تردد، كما امتنع العديد من الأطفال والمراهقين في المدارس من الإجابة على بعض الأسئلة التي طرحت عليهم”.
وعن الخطوات العملية بعد الأرقام المخيفة التي توصلت اليها الدراسة، تؤكد مشنتف أنه “يجب توعية الأهل لهذه المخاطر، وتعليمهم طرق الحماية عن طريق ورش عمل ونشاطات تدريبية، وتوعية الأطفال والمراهقين في المدارس من المخاطر التي قد يواجهونها، الى جانب التواصل والشفافية بين الأهل والأولاد، كما يجب ملء وقت إدمان الالعاب والإنترنت ومواقع التواصل بنشاطات ترفيهية وثقافية”.
تزامناً مع هذه الدراسة، قام المجلس الأعلى للطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع “المجلس الثقافي البريطاني” وعدد من الوزارات والجهات الحكومية المعنية بتنظيم حملات توعية واسعة النطاق حول سلامة الأطفال على الإنترنت، بعنوان “انتبهوا أونلاين” انطلقت في 17 آذار/مارس الماضي.
هذه الحملة تضمنت عدّة أنشطة أبرزها، مؤتمر في قصر “الأونيسكو” حضره أكثر من 200 طفل مع أهلهم، تضمن جلسات للأهل حول تجنيد الجماعات المتطرّفة للأطفال على الإنترنت في لبنان، وحول الألعاب العنيفة على الإنترنت، وسبل مكافحة التنمّر الإلكتروني، ووسائل التبليغ المعتمدة عند تعرّض الأطفال للأذى على الإنترنت. كما جال الأطفال المشاركون على “ستاندات” تضمّنت ألعابا وبرامج توعية حول كيفية حماية أنفسهم أونلاين، وتجنّب الإدمان على الإنترنت من خلال وسائل ترفيه بديلة مثل التلوين، والزراعة، وعلم الفلك، والروبوت.
وإلى جانب المؤتمر، انطلقت حملة إعلانية على مواقع التواصل الاجتماعي وقناة LBCI، هدفها تثقيف الناس لمواجهة تلك المخاطر في لبنان تحت شعار “إذا ابنك/بنتك لحاله/ا مش يعني لحاله/ا، ما بتعرفوا الإنترنت لوين بياخد ولادكن”.
كما نشرت صفحة “انتبهوا أونلاين” العديد من الفيديوهات التوعوية والصور التي تظهر حجم الخطر على الأولاد في المنازل والمدارس.
وعن تعرض الأطفال لخطر التطرف، تقول مديرة البرامج والشراكات بالمجلس الثقافي
”
10 بالمئة من طلاب المدارس متصلون بشبكات متطرفة، في حين أن 28 بالمئة من خارج المدارس متصلون بشبكات مماثلة.
” البريطاني نورما وكيم، في مقابلة مع “العربي الجديد”، إن “الأطفال يتعرضون لشتى أنواع المخاطر مثل المحتوى غير الملائم لعمرهم أو الذي يحمل عنفاً أو قد يتعرضون للتنمر لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي الذي قد يؤدي إلى استغلال جنسي أو إلى تجنيد في مجموعات إرهابية أو أصولية وغيرها من المخاطر المتعلقة بانتهاك خصوصيتهم وبياناتهم الشخصية من ضمنها الأماكن التي يرتادونها وصولا إلى عدم وعيهم بالبصمة الرقمية التي يتركونها لا سيما إذا كان سلوكهم غير ملائم”.
أما عن هدف الحملة، فتؤكد وكيم أن “الهدف الرئيسي للحملة هو توعية ومساعدة الشباب الأقل حظّا والأكثر عرضة للمخاطر لاختيار طرق إيجابية بديلة فضلاً عن الانجراف خلف حركات متطرفة، ورفع توعية الأهل حول المخاطر التي يواجهها أطفالهم على الإنترنت، وتقديم حلول لكيفيّة تذليل تلك المخاطر، ورفع التوعية حول الطرق الإيجابية لاستخدام الإنترنت”.
كما شددت واكيم على أهمية دور المدرسة في هذا الإطار، والحاجة إلى رفع الوعي على صعيد وطني لوضع الخطط والقوانين الضرورية لحماية الأطفال أونلاين من كافة المخاطر، وخصوصاً خطر التطرف.
وخلال المؤتمر، انقسم المشاركون في الورشة إلى ثلاث مجموعات: مجموعة لرفع توصيات إلى المجتمع التقني، ومجموعة لرفع توصيات لصانعي القرار ومجموعة لرفع توصيات للإعلام، وبعد مداولاتها خرجت المجموعات بالعديد من التوصيات أبرزها، إعداد مناهج تربوية جديدة تواكب مخاطر الإنترنت وضرورات استخدامه السليم والآمن. وتطوير آلية للتعامل مع جرائم الإنترنت الواقعة على الأطفال ومن ضمنها خط ساخن ومركز متخصص للمساعدة. وتكليف جهاز قضائي متخصّص بجرائم الإنترنت الواقعة على الأطفال. وتخصيص بند في الموازنة العامة لدعم خطوات حماية الأطفال.
كما أكدت المجموعات أنه يجب تفعيل التنسيق بين مزودي الخدمات والوزارات والهيئات التشريعية على صعيد وطني من خلال تشكيل فريق مشترك من كافة أصحاب المصلحة، للعمل على مسودة سياسة تعتمدها وزارة الاتصالات لحماية الأطفال. وتوفير Wi-Fi آمن في الأماكن العامة. وإفراد مساحات واسعة في وسائل الإعلام لرفع التوعية حول حقوق الأطفال على الإنترنت وسبل حمايتهم، وتشجيع الأهل والأولاد على التبليغ عن المحتوى المتضمّن تنمّرا أو أذى مباشرا عبر وسائل الشكاوى المدفوعة من وسائل التواصل الاجتماعي. وأخيرًا دعوة الدولة لتوقيع بروتوكولات تعاون مع شركات تكنولوجيا المعلومات للحدّ من المحتوى غير الملائم مثل خطاب الكراهية، والتحرّش وغيره.