بالرغم من الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة والدقيقة التي يعيشها لبنان، استطاع متحف “نابو” الذي افتتح منذ أيام في بلدة الهري (شمال لبنان)، أن يجذب إليه أنظار المئات من اللبنانيين والسياح حول العالم. تماثيل، لوحات، أوانٍ وغيرها من القطع الأثرية النادرة التي يتجاوز عمرها الـ6000 سنة، وصولاً إلى القرن 21، جمعت من اليمن، العراق، سورية وغيرها من الدول العربية والغربية، وضعت في هذا المتحف لتخلد حضارة الماضي وفلسفتها الفنية.
سمي المعرض بـ”نابو”، أي “إله الحكمة” والكتابة والفن، وذلك لأنَّ المعرفة تأتي نتيجة التجارب التي تؤدي جميعها إلى الحكمة، كما قال الأستاذ جواد عدرة (أحد مؤسسي متحف “نابو”)، في مقابلة مع “العربي الجديد”. مضيفاً “نحن اليوم بحاجة إلى المعرفة التي تأتي عن طريق الفن الذي يبرهن نفسه بشكل متجدد. وإن (إله الحكمة) كان عند الصوماليين والمصريين والفينيقيين، والذين تجمعهم أشياء مشتركة، أكثر مما تفرّقهم”.
ويتحدر معظم الفنانين من منطقة بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، ومن العديد من الدول العربية، كآدم حنين من مصر، وديع غزاوي من العراق، أحمد المعلق ومصطفى علي النحات من سورية، أمين باشا وسمير الصايغ وبورغو سيليان من لبنان وغيرهم الكثيرين. أما عن مكان المتحف الذي هو على الشاطئ، يضيف: “قررنا إنشاء المعرض في هذا المكان، لأن لبنان بحاجة إلى أن يكون على شاطئه شيء مميز غير بشاعة المباني (أي المسابح) التي تمنع الناس من حرية الدخول والسباحة، أيضاً شمال لبنان وكل المناطق اللبنانية بحاجة إلى نوع كهذا من النشاطات الثقافية والفنية”.
دخول المعرض هو رحلة ومغامرة في التاريخ والحضارة. نبدأ من “العيون” (شمال سورية)، إلى “آلهة الخصب” في بلاد ما بين النهرين، إلى رقميات إسبانية، والتماثيل والمنحوتات البرونزية، إلى جانب اللوحات والأواني، وهي تعتبر مغامرة أجمع الذين زاروا المتحف على أنها ممتعة.
عن الأصداء والإقبال عند اللبنانيين وخاصة الجيل الشاب، يؤكد جواد أن “نسبة الإقبال جيدة. أتى اللبنانيون من جميع المناطق، كما شهد المتحف قدوم العديد من السياح من كل أنحاء العالم. وبحسب الإحصاءات الأولية، فقد دخل المتحف يوم الافتتاح أكثر من 700 شخص. كما شهد اليوم الثاني والثالث الكثير من الاهتمام، وقد يبقي المتحف أبوابه مفتوحة لشهرين أو ثلاثة”.
أما عن دعم الدولة اللبنانية من الناحية المادية، واسترداد القطع الأثرية للبنان، يضيف جواد: “لم يكن هناك أي دعمٍ مادي من أي طرف، إلا من المؤسسين: وهم بدر الحج فداء جديد وجواد وزينة عدرة، إلى جانب العديد من المتطوعين الذين بدونهم كان إنجاز المتحف سيكون صعباً جداً. لكن حصلنا على دعم كبير من وزارة الثقافة، واستطعنا استرداد العديد من القطع الأثرية التي كانت في باريس ولندن ونيويورك. وحصلنا على رعاية كبيرة من رئاسة الحكومة والداخلية والتربية التي كانت مهتمة بأن تعمل على تنظيم زيارات من المدارس إلى المتحف، لأن ذلك هو جزء من البرنامج التربوي”.
أما عن اهتمام الجيل الشاب بالمعرض، فيقول عدرة: “فوجئت باهتمام الجيل الشاب بالمعرض، فاليوم كان العديد من الشبان والأولاد الذين يسألون عن عمر القطع وكيف صنعت وما قصتها ومعناها، وهذا المنظر يفرح القلب، والمهم أن نربي أولادنا على الاهتمام بالمتاحف والحضارات، وأن لا ينجروا للتفاهات”.
عمر قصقص – العربي الجديد